-بالنظر إلى حقيقة أن هناك تفسيرات مختلفة ومتعددة تظهر عند الحديث عن الانتخابات الأمريكية، وكذلك بالنظر إلى أهمية هذه الانتخابات في العلاقات الداخلية والخارجية لأمريكا، فمن وجهة نظر علم النفس السياسي، السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن دراسة الانتخابات الأمريكية من منظور علم النفس السياسي؟
وفي الاجابة تم تحديد ثلاثة مستويات وأسس نفسية. المستوى العالمي، والمستوى الوطني، والمستوى الفردي وعلى المستوى العالمي، ونظرا لأهمية إيجاد المشاعر على المستوى العالمي، وعولمة الغضب، ظهرت منصة حقيقية تشمل أمريكا أيضا. وعلى المستوى الوطني، لوحظت مشاعر الخوف في تصريحات ومقاربات المرشحين للانتخابات.
وفي المجتمع الأمريكي المتعدد الاقطاب، تحدث هاريس وترامب كثيرا عن مفهوم وظاهرة الخوف. وأخافت هاريس الشعب الأمريكي من أن المؤسسات الديمقراطية والمستقرة في الولايات المتحدة تتعرض للتهديد من قبل شخص لديه ميول دكتاتورية وفاشية، كما تحدث ترامب عن خطر سقوط الولايات المتحدة وضعفها العميق.
وفي الواقع، أكد ترامب أنه بسبب رئاسة بايدن ونائبته هاريس، سقطت أميركا في كل مؤشرات الحياة المحلية والدولية. ومن انهيار القيم الأخلاقية والدينية على يد الليبراليين مثل هاريس إلى انهيار مستويات المعيشة بسبب منح كامل الحرية للمهاجرين غير الشرعيين، وهكذا استغل ترامب شعور الخوف. لقد كان بلا شك معاديا للمهاجرين وتحرك على أرضية الخوف من المهاجرين.
سياسات الهجرة
لقد قدم فتح الحدود وسياسات الهجرة للديمقراطيين سببا للبؤس التي وصلت اليها أمريكا على حد تعبيره. لا ينبغي أن ننسى أنه في المجتمع الأمريكي متعدد الاقطاب، تم نقل العديد من الوظائف من قطاعات الطبقة التقليدية والبيض والمتوسطة إلى الجزء الأدنى من أمريكا، وأحيانا من قبل المهاجرين الذين، على عكس الجذور الأوروبية للمهاجرين الأوائل، فان معظمهم ينحدرون من آسيا وأمريكا اللاتينية، وبالتالي كان هناك غضب وإحباط اقتصادي وصورها ترامب في شكل احتمال مخيف.
وبالإضافة إلى هذا الغضب والإحباط الاقتصادي والاجتماعي، يجب أن نذكر أيضا السياسات الليبرالية المتطرفة التي ينتهجها الديمقراطيون. أي السياسات الثقافية والمواقف المعيارية التي لا تتناغم مع السياق الطبيعي والتاريخي للولايات المتحدة. ولم تغير الأجزاء المتطرفة من الديمقراطيين التعريف التقليدي والطبيعي للعائلة من الزواج بين رجل وامرأة فحسب، بل روجت له أيضا في شكل قوانين وأوامر قانونية، حتى في الكتب المدرسية، مما خلق بلا شك الخوف في المجتمع التقليدي، فيما يتعلق بفقدان إعطاء الهويات والأعراف الإنسانية والدينية المستقرة.
وهذا الكشف عن الخوف يقودنا إلى التعرف على ظاهرة أخرى مهمة من وجهة نظر علم النفس السياسي، وهي الشعور بالضعف والعجز. واستغل ترامب هذا الشعور وقدم الحل في اختيار رجل قوي ومتمكن، والمثير للاهتمام أن غالبية المجتمع أيدوا هذه النسخة منه.
إن نظرة إلى تاريخ ترامب وسجله يتبين أنه لا شك أن لديه سجلات زائفة وغير طبيعية في المجالات الأخلاقية والعائلية والمالية والسلوكية. وبحسب بعض التحقيقات، فقد كذب ثلاثة آلاف مرة خلال فترة ولايته الأولى كرئيس، وهو الرئيس الوحيد الذي تم استجوابه مرتين وما زالت قضاياه القضائية مفتوحة.
والسؤال هو كيف يصوت أغلبية المجتمع الأمريكي لمثل هذا الشخص؟
إحدى الإجابات على الأقل تتعلق بعلم النفس السياسي: فهو يتفهم جيدا الشعور بالضعف لدى مختلف شرائح المجتمع ومعظمها أدنى مستوى، ومن خلال معالجة صورة لنفسه على أنه “رجل قوي” يعد الناس بأنه “سيجعل أمريكا قوية مرة أخرى”. هذه هي بالضبط العبارة، والمختصرة بـ MAGA، والتي وجدت يومها بالفعل في شكل حركة اجتماعية. MAGA هو الأحرف الأولى من نفس العبارة (اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى Make America Great Again). في الواقع، فهو يربط بين العجز والتمكين ويقدم نفسه كمنقذ ورابط، على الرغم من أن هذا الأمر له مناصرون في السياق النفسي الوطني.
ومن المثير للاهتمام أنه خلال الحملة الانتخابية، نجا من محاولتي اغتيال فاشلتين وحاول أن يجعل بقائه على قيد الحياة أمرا مقدسا. وأكد أن الله حفظه لإنقاذ أمريكا.
أما المستوى الفردي، أي التركيز على خصائص ترامب النفسية، فهو أمر مهم للغاية، ولا شك أنه قلما تمت دراسة شخصية سياسية أميركية في حياته وكانت موضوع بحث من قبل علماء النفس السياسي.
ومن المثير للاهتمام أن إحدى هذه الدراسات نشرها ابن أخيه. تجمع المؤلفات والأبحاث النفسية حول ترامب هو أنه نرجسي. النرجسية هي الجانب الأكثر وضوحا في شخصيته.
كانت هناك مناقشات كثيرة حول أصل هذه النرجسية. ولكن المهم هو نتيجة وعملية النرجسية. ترامب، النرجسي، يستمتع بثناء الآخرين ثم يستاء من النقد اللاذع. يتجلى نوع من المركزية في العالم في الشخصية المهووسة بذاتها. واستمرارا لهذا الاستنتاج، يشكل نوعان من علم النفس أساس عمل ترامب في الجولة الثانية.
وبوحي من “علم نفس الولاء” و”علم نفس الانتقام” قد دعا أولئك الذين يشتركون في سمة مشتركة من الولاء الشخصي لترامب. تعييناته، والتي بالطبع يجب أن تكون نهائية، كلهم من الموالين الذين يشيدون بروعة ترامب، وبالطبع الانتقام من الأعداء والمعارضين، خاصة في المجمع السياسي والدوامة داخل أمريكا، هو الوجه الآخر لهذه الشخصية النرجسية.
إن تطهير المؤسسات الحكومية من الليبراليين، واستخدام وزارة العدل لرفع قضايا ضد المعارضة، وحتى الحديث عن استخدام القوات المسلحة الأمريكية لمثل هذه الأعمال، يجعل الانتقام السياسي ممكنا، وبطبيعة الحال، كل هذا لن يحل مشاكل أمريكا ولا يعيد لأمريكا الحياة، ولا يقوم بحلحلة التوترات، بل سيخلقها.
المصدر: صحيفة اطلاعات
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
التعليقات