الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: في حديث جبريل (2)   – كتاب الرأي

وفي الحقيقة إنها حادثة عجيبة رواها لنا حديث شريف مشهور. وهو الحديث الذي ذكر لنا فيه أستاذنا عمر بن الخطاب حضور أستاذنا جبريل لقاء النبي صلى الله عليه وسلم. عليه الصلاة والسلام، في صورة رجل شهده الحاضرون، وسمعوا كلامه، وعرفوه.

جاء سيدنا جبريل في صورة رجل غريب لا يعرفه أحد من الحاضرين، فلا بد أنه جاء من سفر، ولكن لم يظهر عليه أثر السفر مثل الغبار والعرق. وكانت ملابسه بيضاء للغاية. وكان شعره أسود جداً ومظهره نظيفاً.

ثم سلم واستأذن في الاقتراب من أستاذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس في الوضع الذي يلفت انتباه الجالسين. كما جاء في رواية أخرى للحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً بين ظهور أصحابه». [أى: بينَهم]ثم جاء الغريب ولم أعلم أيهم هو حتى سأل، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. [أى: استأذناه] لنجعل له مكاناً حتى يتعرف عليه الغريب عندما يأتيه، فبنينا له خيمة من الطين. [أى: دَكَّةً يقعد عليها] كان جالسا عليه، ونحن جلوس ورسول الله صلى الله عليه وسلم على مجلسه، إذ أقبل رجل من أحسن وجها، وأطيب الناس ريحا، كأنما صاحبه. لم يمسس ثيابه وسخ، حتى سلم على طرف البساط، وقال: السلام عليك يا محمد، فرد السلام قائلا: أقترب يا محمد؟ قال: “اقترب”. وما زال يقول: هيا بنا؟ مراراً وتكراراً، فقال له: «ادن» حتى وضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. [النَّسائى].

ثم دار الحوار على شكل أسئلة وأجوبة. سؤال من الرجل الغريب وجواب من سيد الخلق صل الله عليه وسلم. هذه الصورة للحوار كافية لجذب انتباه الجالسين. فكيف سيكون الأمر لو عرفنا ما هو هذا الأمر؟ وجاء على ما كان يحبه الصحابة الكرام رضي الله عنهم حيث كانوا يخجلون أن يكونوا عبئا على أستاذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. مع. لقد كثرت الأسئلة، وقد أعجبهم أن يأتي حكيم من أهل الصحراء ويسأل وهم يستمعون، فمجيء سيدنا جبريل بهذه الصفة أيضًا ملأ هذه الحاجة في نفوسهم.

أشياء جذابة وملفتة للنظر؛ رجل غريب، حسن الوجه، طيب الثياب، نظيف، لم يظهر عليه أثر السفر. فسلم على سيدنا رسول الله، واستأذنه في الاقتراب منه مرارا، في جلوسه، في وضعيته. ومن يديه أسلوب الحديث، ورده على ردود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيح؛ فهذه أشياء تعمل معًا على جذب انتباه كل جالس، وهذا يدل على أن ما سيقال له أهمية كبيرة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *