يجيز ميثاق الأمم المتحدة طرد دولة من المنظمة الدولية عندما تقوم تلك الدولة بالانتهاك المستمر لمبادئ ذلك الميثاق، ولا دولة في العالم، أكثر من إسرائيل، يمكن أن ينطبق عليها هذا القانون.
حسب فرانشيسكا ألبانيزي، مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فقد صار واجبا على المنظمة الدولية تعليق عضوية إسرائيل وإعلانها دولة فصل عنصري. توصية ألبانيزي، سببها أن الدولة العبرية لا تنفذ جرائم حرب في غزة فحسب، بل ترتكب إبادة جماعية ممنهجة ضمن مشروع يهدف لمحو وجود الفلسطينيين بهدف إقامة “إسرائيل الكبرى”.
إضافة إلى إشهار طبيعتها كدولة إبادة وتطهير عرقي وفصل عنصري، فقد مارست إسرائيل، وبشكل فاضح بعد حربها الإبادية على الفلسطينيين، حربا على المنظمة الدولية ومؤسساتها كانت آخر فصولها مصادقة برلمانها قبل أيام على قانونين يقضيان بوقف أنشطة إحدى مؤسسات المنظمة، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (المعروفة بأونروا)، وهو أمر “يعارض ميثاق الأمم المتحدة”، كما قال فيليب لازاريني، المفوض العام للوكالة، كما أنه يجعل إسرائيل، كما قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية، “دولة مارقة”. وبشلها المساعدات للفلسطينيين في وقت الكارثة الهائلة التي يتعرضون لها، تتكامل حرب إسرائيل ضد قطاع غزة مع حربها ضد الأمم المتحدة.
خلال عدوانها الذي تشنه أيضا على لبنان، كشفت إسرائيل عنصرا آخر في حربها على مؤسسات الأمم المتحدة ممثلة بقوة حفظ السلام الأممية في جنوب لبنان (اليونيفيل)، ومن ذلك اقتحامها قاعدة للقوة التي أعلنت اشتباهها باستخدام الفوسفور الأبيض الحارق لإصابة 15 من عناصرها، وإطلاق النار على مخابئ وأبراج مراقبة وقواعدها، رغم أنهم لا يشاركون في القتال ضدها، وهو ما يعتبر انتهاكا خطيرا للقانون الدولي وخرقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
أكثر صور تكامل حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين والأمم المتحدة تتمثّل بأشكال التعامل الإسرائيلية مع أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة (والذي كان قبل اعتلائه هذا المنصب مفوضا ساميا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)، وكانت آخر أشكال عدوانية إسرائيل ضده إعلان وزير خارجيتها يسرائيل كاتس، غوتيريش “شخصا غير مرغوب فيه” في إسرائيل.
بعد عملية “طوفان الأقصى” وضع غوتيريش تلك الهجمات في سياقها التاريخي فقال إنها “لم تحدث من فراغ”، وأن الفلسطينيين عانوا من “56 عاما من الاحتلال الخانق، ورأوا أراضيهم تُلتهم من أجل المستوطنات، وابتلوا بالعنف، واقتصادهم مخنوق، وشعبهم مشرد، ومنازلهم تُهدم”، وهو ما أثار غضب المسؤولين الإسرائيليين فطالبوا باستقالته، وهو أمر تكرّر لاحقا على لسان مندوب الدولة العبرية في الأمم المتحدة. أثارت مطالبة كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، هيئتها بإصدار مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، ووزير حربه يوآف غالانت، غضب إسرائيل الشديد، فطعنت في اختصاص المحكمة، وساندها 12 من أعضاء الكونغرس في رسالة تهديد للمحكمة تقول “إذا استهدفتم إسرائيل سنستهدفكم”، ثم تكشف أن المحكمة تعرضت لحملة تجسس وتهديدات على مدى تسع سنوات، وحملة اختراق لهواتف المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا، كما كشف خان، تلقيه تهديدات شخصية من مؤيدي إسرائيل.
من البيّن أن هذه الوقائع تشكّل أساسات كافية لفتح ملفات كبرى للقيام بحملة يمكن أن تشارك فيها دول، ومؤسسات سياسية وحقوقية عالمية، فهذه المرة الأولى في العصر الحديث التي تقوم فيها دولة “ديمقراطية” بالقيام بإبادة جماعية ضد شعب، بالترافق مع حرب أخرى على الأمم المتحدة، بدءا من أمينها العام، وإحدى مؤسساتها الكبرى، المحكمة الجنائية الدولية، ومؤسساتها الأخرى كمفوضيات حقوق الإنسان، واللاجئين، والأونروا واليونيفيل.
طرد إسرائيل من الأمم المتحدة هو إعلان أن الشرع الأممية والقانون الدولي وحقوق الإنسان ما زالت مواثيق حقيقية يمكن للبشرية الارتكاز عليها، وبقاؤها هو إعلان لعطب هائل في المنظومة الدولية وتشريع ضمني للإبادة الجماعية والفصل العنصري والتطهير العرقي.
*القدس العربي
انتهى
التعليقات