أجاب سماحة المرجع الديني الاعلى آية الله العظمى السيد السيستاني حول إستفتاءات الوسواس
السؤال: هل هناك علاج للوسواس وماذا يجب عليه ان يفعل؟
الجواب: ان جميع الفقهاء يفتون بكل صراحة و وضوح – تبعا للنصوص الشرعية – بان وظيفة الوسواسي هو عدم الاعتناء بوسوسته و البناء على طهارة كل مايشك في طهارته بل حتى لو تأكد من نجاسة شيء – على خلاف ما يحصل لسائر الناس من العلم بذلك – فلا عبرة بعلمه و واجبه ان يبني على الطهارة فلو عمل الوسواسي بهذه الفتوى الشرعية و بنى على طهارة كل مشكوك الطهارة بل و متيقن النجاسة فهو معذور امام الله و ان كان عمله خلاف الواقع و وقعت صلاته في النجاسة او كان اكله متنجسا.
السؤال: شخص وسواسي كثيراً ويطيل الوقت في الوضوء والغسل والصلاة إلى درجة أنه إذا كان على جنابة في شهر رمضان وأراد أن يغتسل فسوف يدخل الفجر وهو لم ينتهي من الغسل فهو يتيمم بدل الغسل وهكذا إذا كان عليه جنابة في شهر رمضان؟ أو كانت عليه جنابة في الأيام العادية فأنه ينتظر إلى أن يقترب إنتهاء الوقت لكي يتيمم ويصلّي؟ فماذا يقول سماحة السيد السيستاني في هذا الشخص؟ وما هو الحل في نظر السيد؟ وما حكم صيامه وصلاته وجميع أعماله العبادية؟ وما هي نصيحة سماحة السيد في هذه الحالة؟
الجواب: تصح الصلاة ونحوها في مفروض السؤال وان كان الشخص آثماً في تفويتها مع الطهارة المائية عند التمكن منها. وينصح هذا الشخص بالسعي الى اصلاح حاله والتخلص من هذا الاداء، ويحصل ذلك بمرحلتين:
المرحلة الاولى : ان يلتفت الي هذه الحالة حالة ذميمة عقلاً وشرعاً لانها خروج عن الوسطية والاعتدال وهدر لطاقات الانسان من غير ان يجني منها فائدة، فالوسوسة ليست ضرباً من الورع والتقوي ولاعناية مرغوب فيها باحكام الشرع المقدّس وانما هي نحو اختلال في ادراك الانسان وضعف في نفسه وارادته واستسلام لا يحاءات الشيطان الخبيث كما اشير اليه في الحديث، فاذا وعي هذا المعني جيداً وعرف حقيقة هذه الحالة تصل النوبة الى المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية : ان يسعى جاهداً الى السيطرة على نفسه وامتلاك زمام ارادته والحيلولة دون تلاعب الشيطان به، فليعقد العزم على ذلك مستيقناً بان الله سبحانه لا يعاقبه على عدم الاعتناء بما يحتمله في يوم القيامة، فاذا شك في وصول الماء لم يعتن وبنى على حصول الطهارة جارياً على المعتاد في ذلك، وكلّما كرّر منه عدم الاعتناء بالشك ضعفت سلطة الوهم على نفسه الى ان يزول بيأس الشيطان من التعلّق به فيصبح معتدلاً في رعايته للطهارة والنجاسة، وليستيقن انه اذا دخل هذا المضمار وعلى سبيل التحدّي كان هو الغالب وكان الله سبحانه في عونه وضعف كيد الشيطان به قال تعالى «ان كيد الشيطان كان ضعيفاً» والله الموفق الى الصواب.
السؤال: هل عمل الوسواس مبطل للطهارة المعنوية كما اذا اعاد الغسل مرات ومرات في نفس الوضوء والغسل؟
الجواب: لا يبطل.
السؤال: إني مصابة بالوسواس في الطهارة والصلاة وفي غيرهما منذ سنوات ومعاناتي معه طويلة ومضنية وقد حاول أهلي صدي عن الإعتناء بالوسواس بأساليب مختلفة ولكن لم يسعني التخلص منه أرجو من مكتب سيدنا المرجع دام ظله إسعافي في المجال؟
الجواب: إن الوقت لا يتسع لايراد كل ما يمكن قوله في هذا المجال مما يمكن أن يساعد في علاج الوسوسة والحدّ من مضاعفاتها ولكن نتبرّك أولاً بذكر حديث شريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) ثم نردفه ببيان بعض النقاط.
أما الحديث فهو ما رواه عبدالله بن سنان ـ أحد أجلة أصحاب الإمام (عليه السلام) ـ قال: ذكرت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل، فقال أبوعبدالله: وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقال سله الذي يأتيه من أي شيء هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان.
وأما النقاط التي يهمّنا إيرادها فهي:
١ ـ إنّ مرض الوسواس ليس له علاج ناجع إلا عدم الإعتناء بالوسوسة وعدم ترتيب الأثر عليها لمدّة طويلة، وكلما زادت مدة الإصابة بالمرض يتوقف العلاج منه على ممارسة عدم الإعتناء مدة أطول، فالذي بدأ معه الوسواس قبل شهر أو شهرين ربما يذهب عنه لو قاومه بعدم الإعتناء بضع شهور وأما الذي بدأ معه منذ سنوات فمن المؤكد أنه لا يذهب عنه الا بعدم الإعتناء مدة طويلة جداً.
٢ ـ السؤال المهم الذي يطرح في هذا المجال هو أنه كيف يمكن إقناع الوسواسي بعدم الإستجابة لنداء الوسوسة الذي هو نداء شيطاني؟
والجواب ان الطريق إلي ذلك هو إفهامه بصورة واضحة لا لبس فيها بأنه لا يتحمّل إثماً ولا يستحق عقاباً يوم القيامة إذا لم يعتن بالوسوسة وإن وقع في خلاف الواقع، فإن الذي يدعو الوسواسي إلى العمل وفق الوسوسة هو خوفه من بطلان عمله وإستحقاقه العقاب على ذلك ولكن لو جعلناه يقتنع تماماً بأنه لا يتحمّل جراء مخالفته للوسوسة وعدم الإعتناء بها أي ذنب أبداً وإن لم يصح عمله في الواقع ويكون معذوراً أمام ربه فإن هذا سيساهم بكل تأكيد في الحدّ من إعتنائه بالوسوسة.
٣ ـ كيف يكون الوسواسي معذوراً أمام الله تعالى إذا لم يعتن بوسوسته وإن كان عمله خلاف الواقع؟ مثلاً: إذا شك في طهارة بدنه وبنى على الطهارة وتوضأ وصلى وكان في علم الله تعالى بدنه متنجساً ووضوؤه باطلاً وصلاته باطلة ألا يتحمل مسؤولية ذلك أمام الله يوم القيامة؟
الجواب قطعاً بالنفي والوجه في ذلك ببساطة هو أنه عمل وفق واجبه الشرعي في عدم الإعتناء بالوسوسة فكيف يعاقبه الله على ذلك؟!
ولتوضيح الفكرة نقول: إن فتوى الفقيه حجّة للمكلف أي أن المكلف إذا عمل بها وكانت في علم الله مخالفة للواقع لم يعاقب يوم القيامة على مخالفته، مثلاً إذا أفتى الفقيه بطهارة الإسبرتو واستند المكلف إلى فتواه في عدم التجنب عنه في لباسه وبدنه فتوضأ وصلى ولكن كان الاسبرتو نجساً في حكم الله تعالى لم يعاقب المكلف يوم القيامة على صلواته الباطلة لأن حجّته أمام الله هي كالتالي:
يا ربّي إنك رخصت لي العمل بفتوى الفقيه، والفقيه أفتى بطهارة الاسبرتو فلذلك لم اتجنبها في بدني وملابس صلاتي فهل تعاقبني مع ذلك؟
ويأتي الجواب: إنك معذور يا عبدي ولا شيء عليك.
وهكذا حال الوسواسي تماماً، فإن جميع الفقهاء يفتون بكل صراحة ووضوح ـ تبعاً للنصوص الشرعية ـ بأن وظيفة الوسواسي هو عدم الإعتناء بوسوسته والبناء على طهارة كل ما يشك في طهارته بل حتى لو تأكد من نجاسة شيء ـ على خلاف ما يحصل لسائر الناس من العلم بذلك ـ فلا عبرة بعلمه وواجبه أن يبني على الطهارة.
فلو عمل الوسواسي بهذه الفتوى الشرعية وبنى على طهارة كل مشكوك الطهارة، بل ومتيقن النجاسة فهو معذور أمام الله تعالى وإن كان عمله على خلاف الواقع ووقعت صلاته في النجاسة أو كان أكله متنجساً.
نتمنى أن تقرأي هذا البيان عدة مرات لتتأكدي من صوابه ثم تعقدي العزم على عدم الإعتناء بالوسوسة بعد اليوم، اعقدي العزم على عدم غسل ما تتصورين أنه قد أصابته النجاسة. اعقدي العزم على البناء على طهارة كل شيء لم تجدي عين النجاسة فيه بام عينيك.
سيأتي الشيطان ويقول لك: ان وضوءك باطل وصلاتك باطلة وبدنك متنجس و… وقولي في الجواب: فليكن: لا يهمني ذلك ما دمت معذورة أمام الله تعالى وانه لا يعاقبني يوم القيامة في حال من الأحوال.
٤ ـ من الأحكام الفقهية التي ينبغي الإلتفات إليها هو أن المتنجس بملاقاة المتنجس ينجس ملاقيه فيما إذا لم تتعدد الوسائط بينه وبين عين النجاسة وإلا فلا يكون موجباً لتنجسه، مثلاً إذا لاقت اليد اليمنى البول فهي تتنجس، فإذا لاقتها اليد اليسرى مع الرطوبة حكم بنجاستها أيضاً، وكذا إذا لاقى اليد اليسري مع الرطوبة شيء آخر كالثوب فإنه يحكم بنجاسته ولكن إذا لاقى الثوب شيء آخر مع الرطوبة سواء أكان مانعاً أم غيره فهو لا يوجب نجاسته.
و هذا باب ينفتح منه ألف باب في عدم حصول العلم بنجاسة معظم ما ذكرت في رسالتك أنها تتنجس بالواسطة.
و في الختام نسأل الله تبارك وتعالى لك العافية التامّة والتوفيق لما يحب ويرضى.
انتهى
التعليقات