تستعد الولايات المتحدة لإجراء انتخابات رئاسية حاسمة في عام 2024، حيث تتجه الأنظار إلى تأثير هذه الانتخابات على السياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بالصراعات في الشرق الأوسط، في ظل تصاعد التوترات وحرب الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقال رأي لإيشان ثارور تساءل فيه عن شكل العالم بعد الانتخابات الأمريكية، وقال إن الشرق الأوسط سيكون في حالة اضطراب تشعر فيه إسرائيل بالجرأة ويتزايد فيه التنافس بين السعودية وإيران.
وأشار بداية إلى دورة الانتقام القاتلة بين إسرائيل وإيران، فقد ضربت إسرائيل أهدافا عسكرية إيرانية في موجة من الغارات الجوية في الساعات الأولى من صباح يوم السبت، ردا على قصف الصواريخ الإيرانية ضد إسرائيل في 1 تشرين الأول/أكتوبر.
ولم تستهدف إسرائيل على ما يبدو المواقع النووية أو المنشآت النفطية الإيرانية، وهو ما فسره بعض المحللين على أنه خطوة لإعطاء طهران مخرجا لخفض التصعيد.
ونقلت الصحيفة في تقارير أخرى لها عن داني سيترينوفيتش، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب قوله إن: “الكرة الآن في ملعب القيادة الإيرانية”، وأشار الكاتب للرد الإيراني على الهجمات، حيث حاول المسؤولون التقليل من أثرها، فيما أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على حق بلاده بالرد والدفاع عن نفسها ضد أي عدوان خارجي.
وفي الوقت نفسه أكدت فيه إدارة جو بايدن التي قدمت الدعم العسكري لإسرائيل ضد إيران أنها لم تشارك في الهجوم، وقال ثارور إن إدارة بايدن كافحت من أجل احتواء آثار الحرب في غزة، فقد قام كبار المسؤولين وطوال العام الماضي والحالي برحلات مكوكية إلى القاهرة والدوحة وعمان والرياض وتل أبيب، إلا أن النزاع الذي بدأ بهجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر توسع إلى لبنان وإيران والجماعات الوكيلة لها وتحول إلى حرب شاملة بين إيران وإسرائيل.
وقال ثارور إن المشاكل في الشرق الأوسط ستكون مشابهة لما سنراه في كانون الثاني/يناير المقبل، ومن المحتمل أن تستمر الأعمال العدائية في غزة، حيث قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وشرد الملايين. وتبدي الدول العربية، بما فيها الدول الحليفة للولايات المتحدة في الخليج العربي، تشككها في إمكانية ظهور خطة “اليوم التالي” لإعادة الإعمار والمصالحة في أي وقت قريب.
ومن المرجح أن يشتعل الصراع بين إسرائيل وإيران، إن لم يستمر في الغليان، ومن المرجح أن يظل لبنان يعاني من نزوح خمس سكانه بسبب الهجوم الإسرائيلي، فضلا عن الضغوط الرامية إلى صياغة نظام سياسي جديد يعمل على تهميش حزب الله المتحالف مع إيران. وعليه فسيواجه الرئيس الأمريكي المقبل، سواء نائبة الرئيس كامالا هاريس أو الرئيس السابق دونالد ترامب حكومة إسرائيلية “تحاول إعادة تشكيل معايير نزاعاتها” كما يقول جون أولترمان، النائب البارز لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، ومدير برنامج الشرق الأوسط فيه.
وزادت المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية من جهود تقويض قوة كل من حماس وحزب الله وقصقصة الأرصدة الاستراتيجية لإيران. وكما أشارت الصحيفة في تقارير منفصلة فقد منح ترامب نتنياهو الدعم الكامل لجهود حكومته. وفي الوقت نفسه، حاولت إدارة بايدن ضبط إسرائيل ومنعها من استفزاز نزاع شامل، مع أنها استمرت بإرسال أسلحة بمليارات الدولارات إليها وواصلت حمايتها من العقوبات الدولية.
ويرى أولترمان أنه من غير الواضح إن كانت محاولات إسرائيل تغيير “المعادلة الأساسية” في الشرق الأوسط ستنجح. ولكن في الوقت الذي حاولت فيه الإدارات الأمريكية المتعاقبة “التحول” بعيدا عن الشرق الأوسط، “سيتعين على الرئيس القادم أن يقرر فيما إذا كان كل هذا يتغير وإن كانت الولايات المتحدة قد تحررت ويمكنها ترك الأمور تسير الآن”.
وقبل أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر وحتى في الأشهر التي تلت ذلك، تمسكت إدارة بايدن برؤية السلام التي تقوم على عقد اتفاق تطبيع تاريخي بين السعودية وإسرائيل. ويمكن لمثل هذا الاختراق إعادة ضبط المسار في الشرق الأوسط وزيادة اندماج إسرائيل في المنطقة وتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم أو اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وحفنة من الممالك العربية التي تم التوصل إليها عندما كان ترامب في منصبه، وحتى بناء ممر للتجارة والتعاون من الهند إلى أوروبا، وترك إيران في حالة من العزلة. لكن هذه الرؤية باتت “مهلهلة” كما يقول ولي نصر من جامعة جونز هوبكنز.
وقد أبدت السعودية حذرا في الحديث عن علاقات مع إسرائيل في ظل غياب دولة فلسطينية قابلة للحياة، وهو أمر لا يريد الكثير من الإسرائيليين الحديث عنه. كما أن الحرب في غزة “تردد صداها بالمنطقة” كما يقول بول سالم، مدير معهد الشرق الأوسط. وأثبتت الحرب في غزة خطأ ما قامت عليه اتفاقيات إبراهيم من “افتراضات” بأن محنة الفلسطينيين “لم تعد مهمة”.
ويقول ثارور إن الضغوط الأمريكية والقيادة هي مفتاح رئيسي، وكما قال نصر فعلى “الإدارة الجديدة أن تبدأ بتعزيز مصداقية أمريكا كقوة عظمى قادرة على فرض النظام في المنطقة، ويبدأ هذا بإنهاء الحروب الدائرة في غزة ولبنان، ثم وضع خطة موثوقة للأمن الإقليمي تكون مستعدة لتنفيذها” و”إلا فإن الولايات المتحدة سوف تستمر في ملاحقة الأحداث والانجراف إلى دوامة خطيرة نحو صراع إقليمي مطول وأوسع نطاقا”، حسب نصر.
ويعلق ثارور أن الوضع الراهن، على الرغم من سعي الولايات المتحدة إلى تعزيزه على مدى العقد الماضي، يبدو غير قابل للاستمرار، وبحسب سالم، فحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني “لا يمكن أن يكون في اتجاه تعزيز الاحتلال والحصار والقمع والظلم”، في إشارة إلى التهجير المستمر للفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، وأضاف أن هذا “ليس جيدا للإسرائيليين على المدى البعيد”.
والمشكلة هي أن ترامب وكبار المشرعين الجمهوريين في الكونغرس أبدوا قلة اهتمام بـ”حل الدولتين” وتبنوا في بعض الأحيان وعلنا برنامج حركة المستوطنين اليمينية المتطرفة في إسرائيل. وفي الوقت نفسه، أظهرت إدارة بايدن والديمقراطيون أيضا أنهم ليسوا على استعداد للمخاطرة بسياسة من شأنها أن تنفر قيادة إسرائيل.
ويقول ثارور إن غياب الأمن والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين هو واحد من صراعين كما يقول سالم، أما الصراع الآخر فهو المشروع السياسي للنظام الإيراني، الذي سعى منذ صدمة حربه الدموية مع العراق في ثمانينيات القرن العشرين إلى خوض معاركه خارج حدوده، وقد أدى ذلك إلى انتشار الفصائل التابعة له في مختلف البلدان في جميع أنحاء المنطقة، وهي سياسة “الدفاع المتقدم” التي “تولد عدم استقرار دائم” حسب رأي سالم.
ويعتقد ثارور أن المخاطر التي تمثلها إيران والأزمة الوشيكة المتمثلة في التقدم الذي حققته ببرنامجها، وهو إرث الخطوة الأحادية التي اتخذها ترامب لإلغاء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي كبح أنشطة التخصيب الإيرانية، وستكون على رأس أولويات الرئيس القادم، لكن الساسة الأمريكيين أكثر حذرا من المواجهة العلنية، ومن المرجح أن تسعى الإدارة المقبلة، سواء كانت هاريس أو ترامب، إلى إحياء إمكانية التطبيع الإسرائيلي – السعودي كوسيلة للتحوط ضد إيران والتأثير المتزايد للمنافسين بما في ذلك الصين وروسيا.
وفي مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” لكريم سجادبور فإن السعودية التي كان ينظر إليها في الماضي كحليف إشكالي، ينظر إليها الآن كحليف مرغوب فيه و”من المرجح أن تظل إمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع تاريخي بين إسرائيل والسعودية تحت مظلة معاهدة دفاعية أمريكية سعودية يصادق عليها مجلس الشيوخ طموحا مميزا لأي إدارة أمريكية مستقبلية، ديمقراطية أو جمهورية”.
وبين مراقبي الشرق الأوسط المخضرمين في واشنطن هناك قدر من التواضع والحذر، فقد أدت الإخفاقات والصدمات التي شهدناها خلال العقدين الماضيين إلى تبديد الحديث الجاد عن “تغيير النظام” في المنطقة. وكتب فيليب غوردون، كبير مستشاري الأمن القومي لدى هاريس، في عام 2020: “في المرة القادمة التي يقترح فيها قادة الولايات المتحدة التدخل في الشرق الأوسط لتغيير نظام معاد، يمكننا أن نفترض بأمان أن مثل هذا المشروع سيكون أكثر تكلفة وأقل نجاحا ومحفوفا بالعواقب غير المقصودة التي لا يدركها أو يعترف بها أنصار مثل هذا الإجراء” و”لم يكن الأمر غير هذا، على الأقل حتى الآن”.
النهایة
التعليقات