دائما وأبدا، الحديث عن تنمية الإنتاج الحيواني وزيادة أعداد الثروة الحيوانية هو خطاب لكل زمان ومكان، وهذا أمر يفكر فيه كل عاقل ينظر إلى المستقبل ويخطط بعناية جيلا بعد جيل. ويبدأ من الحاضر بتجربة الماضي سواء كانت تجارب سلبية أو إيجابية، فاطمئن عزيزي القارئ. بلدنا الحبيب مصر بلد زراعي وهذا ماضينا.
ألا تذكر كلام صديقك يوسف عليه السلام عندما خاطب حبيب مصر وجعله على خزائن الأرض؟ ألا تذكرين السبع سنوات العجاف والسبع الخصب؟ ولذلك فإن الحديث الطويل عن الزراعة والإنتاج الحيواني سيستمر في مناقشة السلبيات وإبراز الجوانب الإيجابية للسعي لتحقيق التنمية باستخدام التكنولوجيا الحديثة والبحث العلمي التطبيقي ليسيرا جنبا إلى جنب. وتخطط الدولة المصرية لتطوير الاستدامة في قطاع الإنتاج الحيواني من خلال زيادة أعداد الثروة الحيوانية لزيادة نسبة البروتين للفرد: 87.6% كجم للفرد سنويا، منها 10.8 كجم فقط من اللحوم الحمراء و12.7 كجم. من الدجاج، والباقي يأتي من الألبان والأسماك وغيرها.
لكن وفقا للطبيعة المصرية تظل اللحوم الحمراء هي الغذاء الرئيسي رغم الارتفاع الرهيب في أسعارها مقارنة بمتوسط دخل الفرد، لذا تظل عملية الحساب معقدة للغاية بين الجهد الدؤوب لرفع متوسط استهلاك الفرد من البروتين الحيواني وبين متوسط استهلاك الفرد من البروتين الحيواني. زيادة غير منضبطة في الأسعار. وأخطر وأسوأ شيء هو الزيادة المستمرة في عدد السكان. ونضيف طفلا كل 19 ثانية في مصر، وفقا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة، والتي تؤكد نمو السكان في مصر خلال العقود الثلاثة القادمة يصل إلى 65%. وسيرتفع استهلاك الألبان ومشتقاتها إلى 300%، وسيرتفع استهلاك اللحوم إلى 80% بحلول عام 2030، وإلى 200% بحلول عام 2050.
ولذلك لابد من وجود حلول إبداعية ومبتكرة مبنية على دراسات علمية تتناسب مع بيئتنا المصرية خاصة في ظل هذه التغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية وشراسة الأمراض الوبائية التي تهدد النمو الطبيعي لأعداد الثروة الحيوانية ولذلك يلجأ العديد من المربين الامتناع عن عملية التربية والإنتاج.
ولا شك أن الاهتمام بتربية الأغنام وزيادة أعدادها هو أحد الحلول الإستراتيجية لسد الفجوة الغذائية. تتكيف الأغنام بسرعة مع تغير المناخ وقدرتها الإنجابية أعلى من قدرة الأبقار والجاموس (3 ولادات كل عامين). بالإضافة إلى أن معدل استهلاكها الغذائي أقل بكثير من استهلاك الأبقار والجاموس ومكوناتها وقدرتها المناعية على مواجهة الأمراض الوبائية.
ولرفع مستوى الإنتاج الحيواني في مصر لا بد من التقدم على محورين:
أ- التوسع الرأسي :
– ويتحقق ذلك من خلال تحسين الخصائص الوراثية لحيوانات المزرعة لزيادة كفاءتها الإنتاجية، فضلا عن ضرورة رفع مستويات الرعاية والتغذية لتحسين الظروف البيئية التي تعيش فيها هذه الحيوانات.
– التحذير من التوسع في استخدام التلقيح الصناعي لزيادة التحسين الوراثي للسلالات المحلية سواء البقر أو الجاموس أو الأغنام.
ب- التوسع الأفقي:
ويتم ذلك من خلال زيادة أعداد الأبقار والجاموس والأغنام وتوسيع مساحة الأراضي الزراعية الصحراوية والاهتمام بتحسين الخدمات البيطرية مما يحافظ على حياة الحيوان ويساعده على إنتاج المزيد.
ثم هناك خطوط عامة لوضع الأساس للتوسع الرأسي والتوسع الأفقي:
1- تدريب أجيال جديدة من طلاب المدارس البيطرية بالوعي الكامل والخبرة العملية حول كيفية مواجهة الأزمات وابتكار طرق جديدة لتطوير منظومة الإنتاج الحيواني.
2- العمل المستمر على رفع الكفاءة العلمية والعملية للأطباء البيطريين.
3- زيادة مراكز التلقيح الصناعي: يعد التلقيح الصناعي إحدى الطرق التي تستخدمها الدولة حاليا، ممثلة في وزارة الزراعة، لتحسين سلالات الثروة الحيوانية من الأبقار والجاموس، لزيادة إنتاجيتها سواء للحوم أو الألبان.
4- إنشاء مراكز تجميع الألبان :
يهدف مشروع مراكز تجميع الألبان إلى:
– زيادة فرص العمل لخريجي مدارس الطب البيطري والزراعة وخفض نسبة البطالة.
– زيادة الرعاية الصحية للثروة الحيوانية وتحقيق التعداد الحقيقي للثروة الحيوانية.
– العمل على تقديم حلول عملية لرفع جودة الحليب الذي ينتجه صغار المزارعين من خلال تطوير نقاط ومراكز تجميع الحليب بمواصفات قياسية للحفاظ على جودة الحليب.
– رفع كفاءة عمليات النقل إلى مراكز التجميع ومنها إلى المصانع وكذلك المعاملات التي تتم داخل مراكز التجميع، وبالتالي رفع جودة الحليب المورد للمصانع ومن ثم إلى المستهلك النهائي بحالة مرضية.
– توزيع إنتاج الحليب بسعر مربح للمربي مما يعود عليه بالربح ويحفزه على زيادة إنتاج الحليب، إما بزيادة الثروة الحيوانية التي يمتلكها أو تحسين سلالته لزيادة إنتاجه من الحليب، وهذا يؤدي إلى زيادة الدخل.
تقدم هذه المراكز خدمة لمصانع الألبان لتجميع الحليب لهم وتحضيره بحيث يصل إلى مصانعهم بحالة جيدة، وبالتالي تحصل مصانع الألبان على الكمية الكافية من الحليب.
– زيادة الإنتاج المصري من منتجات الألبان ومشتقاتها حتى نتمكن من الحصول على أقصى استفادة من إنتاج هذا القطاع الذي يصل إلى 7 ملايين طن سنويا.
5- وضع نظام قانوني جديد يتكيف مع الوضع الوبائي الجديد للأمراض.
6- زيادة سبل التعاون بين الكليات والمعاهد البحثية والهيئة العامة للخدمات البيطرية تحت مظلة الاتحاد العام لتطوير الأداء المهني بأسلوب علمي متطور وجديد.
7- العمل على تنفيذ البحوث العلمية التي يفيد تطبيقها ميدانياً لتطوير منظومة الإنتاج الحيواني.
8- تطوير التصنيع المحلي للحصول على تحصينات محلية ذات كفاءة عالية قادرة على حماية الثروة الحيوانية.
9- المراقبة المستمرة للحيوانات المحصنة للتأكد من فعالية وقوة التطعيم.
10- التوعية المستمرة للتربويين ورفع المستوى العلمي لتسهيل تطبيق المستجدات.
* المدير الفني لمعهد بحوث صحة الحيوان بالمنصورة
التعليقات