على الرغم من أن آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان تعتبر من أهم أدوات تعزيز وحماية حقوق الإنسان على المستوى الدولي، إلا أن البعض، وخاصة السياسيين وأعضاء المعارضة، يحاولون بالقوة تغيير بوصلة تلك الأداة لاستخدامها. لإثارة فضول الأنظمة السياسية بعيداً عن الهدف الذي أنشئت من أجله: آلية المراجعة الدورية، وليس من الفلسفة التأكيد على أن عدد توصيات المراجعة الدورية الشاملة لا يعكس بالضرورة واقع حقوق الإنسان. في البلاد، وأسباب ذلك كثيرة، ولعل أهمها:
تختلف الدول في أولوياتها في مجال حقوق الإنسان حسب سياقاتها الاجتماعية والسياسية، وبالتالي قد تحصل بعض الدول على عدد كبير من التوصيات لأنها تحتل مكانة بارزة في النقاش الدولي حول قضايا معينة، وليس بالضرورة لأن لديها انتهاكات جسيمة. وكذلك قد تتلقى بعض الدول عدداً كبيراً من التوصيات بسبب التعدد والتكرار في التوصيات، فكثير من التوصيات تكون متكررة أو متشابهة في المضمون، حيث يتم تقديمها من عدة دول بطرق مختلفة. وسيتم التركيز على القضايا السياسية والدبلوماسية بدلا من القضايا القانونية، بهدف إرسال الرسائل. السياسات أو تحسين العلاقات بين الدول. على العكس من ذلك، يمكن أن تكون المشاركة القطرية الواسعة وتسليط الضوء على موضوعات محددة من أهم الطرق لزيادة عدد التوصيات التي تتلقاها الدولة. وهذا يعني أن عدد التوصيات ليس كميا. وهو ليس مقياسا معياريا أو نوعيا لتقييم حالة حقوق الإنسان في أي بلد، بل هو أداة تساعد الدول على تحسين حالة حقوق الإنسان لمواطنيها.
والدليل على ذلك أن الدول التي يعتبرها البعض أبراجاً شاهقة من حيث تمتع مواطنيها بحقوق الإنسان قد تلقت عدداً كبيراً من التوصيات. ومن بين هذه الدول تلقت الدنمارك في عام 2021 (288) توصية، فيما حصلت ألمانيا على (346) توصية في نوفمبر 2023 وحصلت فرنسا أيضًا على (355) توصية في عام 2023.
وغيرها من الدول الرائدة في مجال حقوق الإنسان مثل النرويج والتي تلقت توصيات بلغت (241) توصية.
خلاصة الأمر أن قيمة وتأثير هذه الآلية يجب أن تبقى ضمن إطارها الدولي، ويجب أن تكون المرجعية الأساسية هي التزامات الحكومات بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها، ويجب أن نبذل جهدا أكبر في المراقبة وحتى مساعدة الدولة. . وفيما يتعلق بتنفيذ هذه التوصيات، فإن محاولة بعض السياسيين استخدام هذه الآلية في صراعهم السياسي مع النظام السياسي ستضر بالسياسة وحقوق الإنسان.
بقلم: سعيد عبد الحافظ، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان
التعليقات