استوقفتني تغريدة من صحافي شاب؛ وكتب يطالب بضرورة إفساح المجال أمام تنظيم الإخوان، مشددا على أن حظر الجماعة ليس حلا. وما أدهشني في تغريدة الصحفي الشاب هو أنه لم يكن على علم بتاريخ الجماعة الدموي الذي يعود إلى مائة عام، وأنه لم يكن يعلم، رغم عمله في الصحافة، أن تنظيم الإخوان قد وصل إلى مستوى التمكين. والمكانة التي حكمت مصر التي كانت لها أعظم حضارة في التاريخ، ورغم ذلك لم يستطع التنظيم أن يحافظ على ذلك النصر وسعى إلى إشعال الأخضر واليابس.
تغريدة الصحفي الشاب استثناء للقاعدة. وقد شاهدنا بأم أعيننا ملايين المصريين يتسللون إلى الشوارع وهم يهتفون سقوط التنظيم، ويطالبون بعودة الأمة إلى هويتها الحقيقية، بعيدا عن الهوية المشوهة للتيارات السياسية للإسلام.
لكن يبقى الخوف الأكبر أمامي، وهو الخوف المتعلق بقدرة الزمن على محو الأحداث من ذاكرة الأجيال اللاحقة، وهو ما حدث بالفعل مع تنظيم الإخوان وتكرر أكثر من مرة. وإذا حاولنا الحد من جرائمهم فلن تكفينا الأوراق، ومع ذلك ينسى البعض ذلك أحياناً إلى حد المطالبة بفتح مجال التنظيم من جديد!
الوقت والنسيان عدوان أحرص على الحذر منهما دائمًا؛ ولعل الشباب يعلم أن هناك تنظيما حكم مصر عام 2012، ولم يستمر هذا التنظيم في الحكم وحاول مواجهة الأمة بالعمليات الإرهابية. لكن حصر جرائم تنظيم الإخوان في تلك المنطقة فقط هو تلخيص مضلل للأحداث!
تم إنشاء التنظيم منذ البداية مع الأخذ في الاعتبار أن مصر كانت مجرد دولة داخل خلافة أكبر، وأن الحدود الوطنية والأقاليم كانت مؤامرة غربية لا ينبغي الاعتراف بها من قبل أعضاء الجماعة، وأن العمل بالقوة المسلحة هو السبيل. لإسقاط الأمم. الحكومات والسماح للمنظمة بالسيطرة على الحكومة.
من الجرائم التي بدأت في الأربعينيات لم نعرف سوى بعضها، وأغلبنا لا يعلم حتى عن بعضها، سواء كان اغتيال القاضي المصري أحمد الخزندار، عبر التفجيرات التي نفذها الإخوان. أسطول جماعة التنظيم في قلب القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين، ثم محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في حادث المنشية.
ثم مساهمته الهائلة في الحرب الأفغانية الروسية بتجنيد آلاف الشباب عبر مكتب تجنيد يشرف عليه القيادي الإخواني كمال السنانيري، وعلاقته الأساسية بتنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، ومساهمته بالأموال لدعم عمليات تنظيم القاعدة، هي القضية التي كشفت عنها التحقيقات الأمريكية في حادثة تفجير مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001.
وقبل ذلك، تم إلقاء القبض على أحد أبرز قيادات التنظيم الدولي في الولايات المتحدة، عبد الرحمن العمودي، وبحوزته آلاف الدولارات، والتي ثبت أنها أموال مخصصة لدعم تنظيم القاعدة.
لقد عاش كل جيل من أبناء الشعب المصري أحداثًا مختلفة من جرائم التنظيم، لكن قدرة الزمن على النسيان جعلت كل هذه الأجيال تخدع نفسها في الاعتقاد بأنها أول جيل يشهد جرائم التنظيم، لدرجة أن صحفيًا شابًا المطالب، وفتح الطريق أمام الإخوان ليكتشف الناس خداعهم وجرائمهم، وكأن ذلك لم يحدث أكثر من مرة، في الأربعينيات، في الخمسينيات، في الستينيات، في السبعينيات، في الثمانينات، في الثمانينات. التسعينات وفي 2011، لدرجة أنهم حكموا مصر وأصبحوا رؤساء السلطة، لكن سلاح الزمن ظل يرفع سيفه مطالبا من لديه القدرة على مقاومة النسيان.
ونحن نعرف السلاح الوحيد الذي له القدرة على مواجهة المواجهة في القرآن والسنة. وعن أبي هريرة: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، ثم خلق النون، وهي الدواة. ثم قال له: اكتب.
قال: ماذا أكتب؟ قال: اكتب ما سيكون – أو: ما سيكون – من عمل أو رزق أو أثر أو حياة. فكتبه إلى يوم القيامة. وذلك قوله تعالى: «والقلم وما كتبتم». إن القلم والكتابة هما اللذان يملكان القدرة على توثيق جرائم الإخوان حتى يتم جرها إلى طي النسيان في أذهان الأجيال القادمة، وحتى لا ننسى انتقامنا!
التعليقات