-بعد أكثر من عام من العدوان وارتكاب المجازر بحق أهل غزة ولبنان، توقفت إسرائيل أخيرا عن القتل بسبب الضغوط السياسية والقانونية، ووافق طرفا الحرب – حزب الله وإسرائيل – على مضض على وقف إطلاق النار. ولم تكن بصيص الأمل في إحلال السلام والهدوء في المنطقة قد تبلور بعد، عندما ظهرت فجأة صور الميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط في وسائل الإعلام العالمية، نعم مرة أخرى في سوريا!
وبحسب الأخبار والصور المنشورة فإن محافظتي حلب وإدلب ومدينة خان طومان قد خضعت لسيطرة الميليشيات المسلحة المعارضة للحكومة السورية، وتدور اشتباكات بين الجيش السوري مدعوما بروسيا من جهة والميليشيات من جهة أخرى.
بالنظر إلى خريطة سوريا والموقع الجغرافي لمحافظتي إدلب وحلب المتاخمتين لتركيا، وكذلك بالنظر بعناية إلى الصور التي نشرتها هذه الميليشيات، والتي يظهر فيها وضع بعض الأسلحة التي صنعتها تركيا أو العلم التركي، فضلا عن الطبيعة المتعددة الأوجه لتصريحات وزارة الخارجية التركية فيما يتعلق بأحداث الدولة المجاورة، فضلا عن تحذيرات الكرملين الواضحة للحكومة التركية بشأن الصراعات في سوريا، يمكن الادعاء بأن حكومة أردوغان تقف وراء هذه التحركات الإقليمية في سوريا.
لا شك أن أردوغان يمكن اعتباره مكيافيلي العصر المعاصر في السياسة الخارجية، لأنه من خلال دراسة سلوكيات وأنماط سياسته الخارجية في العقد الماضي، يتبين بشكل واضح أنه يعمل على تأمين مصالح بلاده دون أي مجاملات أو اعتبارات. في نفس الوقت الذي يكون فيه مع دولة ما، فالعلاقات الجيدة يمكن أن تتحول إلى عداوة أو العكس، وهو ما يعني بالطبع أن النظرة الواقعية في السياسة الخارجية والسياسة الخارجية لحكومة أردوغان يمكن اعتبارها ورشة عمل تدريبية!
منذ انتهاء الحرب مع تنظيم داعش والحروب الأهلية في سوريا، تمركزت القوات التركية عمليا على حدودها وداخل سوريا لتأمين حدودها الجنوبية، وسيطرت على الدخول والخروج من المعبر الحدودي في محافظة حلب. وبما أن محافظتي حلب وإدلب ومدينة تل رفعت هي في الغالب أجزاء كردية من سوريا، فقد شعرت تركيا دائما بالقلق بشأن وجودها وتحالفها مع الأكراد العراقيين وأبلغت حكومة الأسد مرارا وتكرارا بهذا الأمر وطالبته بمراقبتهم والإشراف عليهم لاتخاذ إجراءات بشأنها، وفي المقابل اشترطت الحكومة السورية ذلك بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.
استعراض أردوغان للقوة
إن احتلال مدينتي إدلب وحلب هو في المقام الأول استعراض أردوغان للقوة في المنطقة، لأنه في الخطوة الأولى يوفر أمن الحدود الجنوبية لتركيا من عدوان القوات الكردية التي لم تتمكن حكومة أردوغان من تحقيق ذلك من خلال المشاورات مع الأسد. وفي الخطوة التالية، من خلال قطع الاتصال اللوجستي الإيراني مع محور المقاومة، وكذلك من خلال خلق صراعات داخلية والضغط على حكومة الأسد المقربة من طهران، فإنها سترسل إشارة إيجابية إلى إسرائيل لإعادة الاتصال وتطبيع العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية.
لقد توقع أردوغان بشكل صحيح أنه إذا تم الحفاظ على وقف إطلاق النار، فإن نهاية الصراعات ستكون نهاية نتنياهو وبالتزامن مع بدء تولي ترامب مقاليد السلطة، الذي دعا في سياساته المعلنة خلال الانتخابات إلى تجنب الحرب، وبحسب التجربة السابقة فإنه يميل للقتال دون فرض تكاليف مباشرة من جيب أمريكا وإسناد الدور للآخرين لتوفير أهداف الولايات المتحدة، ومن أفضل من تركيا في الشرق الأوسط! تركيا، وهي صديقة لإسرائيل، لها علاقات متبادلة مع إيران وروسيا والدول العربية، ويمكنها أن تلعب دور الدرك الإقليمي للولايات المتحدة والقوة الإقليمية لدول المنطقة.
إن دور الدول الثلاث روسيا والسعودية والعراق في هذا اللغز السياسي يستحق الاهتمام. فالعراق والمملكة العربية السعودية يقفان على نفس الجبهة، ولكن بأهداف مختلفة، وكلاهما يتفق مع إزاحة الأسد عن السلطة، لذا فقد دعما تركيا بصمت. وفي المقابل، فإن روسيا التي كانت تعتبر سوريا أحد ممتلكاتها بعد داعش، أصبحت تدعم الجيش السوري وتقاتل الميليشيات في نفس الوقت الذي تدور فيه الحرب في أوكرانيا في سوريا، وفي الوقت نفسه الكرملين الذي يدرك نوايا أنقرة قامت بتهديد تركيا بشكل مباشر حتى تكون عائقا في طريق سعي أردوغان إلى السلطة.
إن بداية الاضطرابات في سوريا ليست قضية يمكن لروسيا وإيران أن تتجاهلها ببساطة وتسمح لحكومة بشار الأسد بالسقوط. بالنسبة لإيران في جانب الحفاظ على على علاقاتها مع حزب الله ومحور المقاومة، وبالنسبة لروسيا بغية الوقوف بوجه توسيع مجال ونفوذ الغرب والولايات المتحدة. لذلك علينا أن نرى ماذا ستكون نهاية هذا الطموح والسعي للسلطة لدى أردوغان. وكما توقع أردوغان هل سيكلفه ترامب بهذا الدور أم لا، أم يفكر ترامب في طريقة أخرى؟ والطريقة التي يمكن أن تكون من خلال إحلال السلام في أوكرانيا والتفاوض مع موسكو، ووضع الصين في مشاكل اقتصادية، وربما حتى التفاوض مع إيران.
المصدر: موقع ديبلماسي إيراني
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
التعليقات