أشرف غريب يكتب: أرجوكم انزعجوا – كتاب الرأي

في تسعينيات ميلاد «فيروز»، شكلت حياتها بمآثرها ومواقفها مادة غنية للإعلام العربي، الذي أراد أن يكون الاحتفال بعيد ميلاد «جرة القمر» مختلفاً، ويتماشى مع إنجازاته المتميزة. مهنة فنية. وبهذه المناسبة، استذكر البعض ظروف لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمطرب الكبير في بداية زيارته إلى لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت قبل أربع سنوات، وهو ما ذكّرني بهذا الفكر المزعج، ثم عدت. قررت أن أدعوك معي حتى تتضايق.

نعم، من فضلك اغضب، أو على الأقل تأمل وانتبه. هذا الفكر كان يدور في ذهني منذ انتهاء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاصمة اللبنانية بيروت في أغسطس 2020، عقب الانفجار المروع الذي وقع في مرفأ بيروت وأودى بحياة ما يقرب من مئتي قتيل وعشرة آلاف. جرحى، بالإضافة إلى خسائر مادية فادحة. لقد كشف ذلك الانفجار شرور الحياة السياسية في لبنان وفساد النخبة الحاكمة فيه، كما وصفها الإخوة اللبنانيون. أنفسهم.

الرئيس الفرنسي، الذي لم يكن آنذاك يريد تقديم الدعم المادي للبنان فحسب، بل معنوياً أيضاً، استهل زيارته بلقاء في منزله مع «جارة القمر فيروز»، واختتمها بلقاء آخر مع «الجمهورية». فرحة روح – ماجدة الرومي”، وبين اللقاءين تناول “ماكرون” ما أراد: كل الملفات السياسية والاقتصادية التي خلفها الانفجار المروع، لكن المعنى الذي بقي حتى يومنا هذا. اليوم هي تلك اللفتة الرئاسية الرائعة تجاه اثنين من رموز لبنان، تجاه صوت لبنان، فن لبنان، ضمير لبنان، هو الأجمل والأبقى والأطهر وربما الأكثر تقوى في العالم. لبنان .

إذن ما المزعج في هذا؟ تخيل معي أن زعيمًا عالميًا بارزًا جاء لزيارة مصر وأراد مقابلة أحد أيقونات الغناء لدينا. من الذي أعرفه؟ وعندما قرر ماكرون أن يفعل ذلك في لبنان، اختار صوتين غنائيين، وليس أي مبدع آخر، لأن الغناء هو الأقرب إلى روح الناس والأكثر وصولاً إليهم وتأثيراً في ضميرهم.

بالطبع أعلم جيدًا أن لدينا شخصيات كبيرة في التمثيل في مصر مثل عادل إمام وحسين فهمي ويحيى الفخراني، ولكني أتحدث إليكم عن المطربين، وأعلم أيضًا أن لدينا أصوات جميلة مثل أنغام وأمل ماهر وشيرين والحجار والحلو وهاني شاكر وغيرهم، وأصوات شعبية معروفة مثل عمرو دياب ومحمد منير. وهناك العديد من الظواهر الشعبية البارزة، لكني أحدثكم عنها. الثقل والوزن والمكانة وتلك الهالة التي كانت لديه. واستمتع بها عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم وشادية من قبل.

أما ذلك التاريخ المتراكم وبقية التألق الذي أثبت قدرته على تحدي الأيام وموجات الغناء المتلاحقة، فللأسف لم يبقى إلا – مع بعض التحفظ – ذلك الصوت المنعزل المنفصل والمخلص الجالس في شرنقته، وأقصد نجاة الصغيرة أطال الله عمرها… أما فيروز وماجدة الرومي فهما لا شيء. أخرى: من سيجتمع مع أي من الزعماء الدوليين -إذا رغبت في ذلك- خلال زيارتك لمصر؟

هل ستقابل مثلا من يضرب جمهوره بالقلم أو من يتابع موجة أغاني الرقص أو من يغني لنوع معين من الجمهور أو من أنهك صوته الرائع بالكحول ؟ المواد؟ هل تفكر مثلاً في مقابلة المرأة التي تزوجت سراً أكثر مما أعلنت، أو المرأة التي استسلمت للإدمان وأصبح اسماً دائماً في صفحات الأحداث، أو المرأة التي تختفي أكثر مما يظهر؟ هناك فرق شاسع بين الموهبة وإدارة المواهب، وهذه هي الفجوة الكبيرة بين «فيروز» وغيرها.

لذا، لا تحدثني عن القيادة الغنائية أو القوة الناعمة لمصر؟ أي قيادة وأي قوة ناعمة؟ إذا تحدثنا عن التقدم في الوقت المناسب، فإن القيادة ليست مجرد ذلك. أين الاستمرارية والتميز؟ أين المكانة والوزن؟ إذا كنا نحب أن نتحدث دائما عن قوتنا الناعمة، فدعني أؤكد لكم، دون أن أغضب، أنها تآكلت، بل وأصبحت معرضة للخطر، وكادت أن تصبح نقطة ضعف قاسية في عصر شاكوش وحما بيكا وأورتيجا ومن هل هو “رقم واحد” أم شخص مثلهم؟ هل هناك من ينتبه؟

أخاف على تاريخنا المتألق أكثر من حاضرنا الممل. وأخشى على قيادتنا في مواجهة هذا الواقع الأليم. أعلم أن استعادة ما أفسده الناس والزمن سيستغرق سنوات وسنوات، لكن من الضروري، بل الإلزامي، أن نقوم بذلك. نبدأ في تعويض ما فاتنا. وكانت هناك رغبة رسمية سابقة في إعداد مطربة مثل أمل ماهر لهذا المنصب المنشود، وإعادة إنتاج تجربة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، حتى لو كان ذلك وفق معايير بلدنا. وقت.

لكن “أمل” لم يكن لديه صبر، فترك نفسه ينجرف مع اتجاه السوق، ونأى بنفسه عن معلمه وأبيه الروحي آنذاك عمار الشريعي. ومع ذلك، علينا أن نحاول مرة أخرى إذا أردنا حقاً أن نكون رواداً في الغناء العربي. كما كان الحال في الماضي… وحتى يتحقق ذلك أرجو أن تجيبوني بكل صراحة ودون أن يغضب مني أحد:

“عندما يريد أي زعيم عالمي أن يتحدث مع مطرب أو مغنية مصرية، فمن يجب أن يتحدث؟!”

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *