-بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في أغسطس 2021، خرجت حالة الناس ونوعية الحكم في هذا البلد بشكل أو بآخر من محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من ذلك، كثيرا ما انتقد قادة وناشطو الحزب الجمهوري اسلوب انسحاب القوات الأميركية، وعزوا ذلك إلى ضعف إدارة حكومة بايدن. واستمرت هذه الانتقادات إلى حد ما خلال حملة الانتخابات الرئاسية، وخاصة في المناظرة بين ترامب وهاريس، حيث تشكلت ثنائية “الاتفاق وتنفيذه”.
أي أنه من ناحية ادعى ترامب أن حكومته أبرمت اتفاق الدوحة مع طالبان بشكل جيد، إلا أن حكومة بايدن فشلت في تنفيذه، ومن ناحية أخرى زعمت هاريس أن الاتفاق المذكور هو أضعف معاهدة في التاريخ الأمريكي. وأن حكومة بايدن بذلت قصارى جهدها في انسحاب القوات الأمريكية.
على أية حال، الآن وقد تم انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة وسيتولى زمام الأمور في الحكومة خلال شهرين تقريبا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما نهج حكومته الجديدة تجاه أفغانستان في ظل حكومة طالبان؟ ما هي التغييرات التي من المحتمل أن يتم إجراؤها في النهج والسلوك الأمريكي الذي سيحدث في المستقبل؟
بالطبع، من الصعب التنبؤ بالتوجه والسلوك المستقبلي لأميركا، خاصة مع شخصية مثل ترامب، لكن إذا أردنا فحص الاحتمالات القائمة، فإن أربعة أشياء يمكن أن تساعدنا في هذا المجال. وهي:
- التوجه العام لسياسة ترامب الخارجية في إدارته السابقة
كان نهج ترامب في الإدارة السابقة فوضويا إلى حد ما. الشخصيات الرئيسية في السياسة الخارجية الأمريكية خلال هذه الفترة، مثل وزير الخارجية، ومستشار الرئيس للأمن القومي، ورئيس وكالة المخابرات المركزية، ووزير الدفاع، وما إلى ذلك، كان موقفهم غير مستقر إلى حد ما، ولم نشهد أي موقف موحد خلال فترة الأربع سنوات. ومع ذلك، يمكن القول إن المحاور الرئيسية لسياسة ترامب الخارجية ترتكز على خفض التكاليف الاقتصادية، ومنع منح الأموال بالمجان للحلفاء، والضغط على المنافسين والأعداء، وتجنب الدخول في صراعات غير مثمرة وتبني نوع من الحمائية الاقتصادية.
وبناء على ذلك، يمكن التنبؤ بأن ترامب في إدارته الثانية سيحاول خفض أو حتى قطع المساعدات المالية الأمريكية لأفغانستان. وهذا مهم بشكل خاص لأن الولايات المتحدة تعد أكبر مانح مالي لأفغانستان منذ أغسطس 2021، وبحسب بعض الأخبار فقد قدمت خلال هذه الفترة حوالي 3 مليارات دولار لأفغانستان عبر المنظمات الدولية. وإذا تم قطع هذه المساعدات، فمن المحتمل أن يكون لها تأثير كبير على قطاعي التعليم والصحة في أفغانستان، وسوف يصبح الوضع الإنساني في هذا البلد أكثر تعقيدا، على الأقل في المدى القصير.
- تجربة إدارة ترامب السابقة مع أفغانستان
يعتبر “اتفاق الدوحة” نقطة التحول في السياسة الخارجية لإدارة ترامب السابقة تجاه أفغانستان. وقد أشار ترامب إلى هذه الاتفاقية باعتبارها تجربة ناجحة في كثير من الأحيان، وكانت متوافقة إلى حد ما مع السياسات العامة لحكومته؛ لأنه ساعد بشكل كبير في خفض تكاليف أمريكا في أفغانستان. وبناء على ذلك، يمكن التنبؤ بأن إدارة ترامب الجديدة ستحاول على الأرجح دفع سياستها تجاه أفغانستان في إطار “اتفاق الدوحة”.
وفي هذا الصدد، أشار خليل زاد مؤخرا في مقابلة إلى إمكانية التنفيذ الكامل لاتفاق الدوحة في إدارة ترامب المستقبلية؛ لأن جزءا من هذا الاتفاق تم تنفيذه من خلال «انسحاب القوات الأميركية»، لكن محاور مثل «ضمان عدم تعاون طالبان مع الجماعات الإرهابية» و«المفاوضات بين الأفغان» و«التعاون الاقتصادي بين أفغانستان والولايات المتحدة». “يمكن أن يكون أساس عمل إدارة ترامب في المستقبل. وتعتبر الحالات الأخيرة مهمة بشكل خاص لأن طالبان رحبت أيضا بانتصار ترامب.
- انتقادات ترامب لحكومة بايدن في أفغانستان
لم يطرح ترامب خلال الحملة الانتخابية نهجا واضحا ومحددا تجاه أفغانستان، لكنه انتقد نهج إدارة بايدن في هذا المجال بشكل متقطع. ومن بين انتقادات ترامب لحكومة بايدن، يمكن أن نذكر الانتقادات الموجهة لطريقة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. ووفقا لترامب، فإن الطريقة التي غادرت بها أمريكا أفغانستان كانت أحد العوامل وراء الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وبالمثل، انتقد ترامب التخلي عن المعدات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، وادعى أنه سيحاول استعادة هذه المعدات. ويمكن أن تكون هذه الحالات بمثابة إشارات لفهم نهج إدارة ترامب تجاه أفغانستان في المستقبل. ومن المحتمل أن تحاول إدارة ترامب استعادة بعض التنازلات الممنوحة لطالبان أو على الأقل المطالبة بتنازلات وفرص في المقابل. وبطبيعة الحال، سترحب طالبان بأي تفاعل مع أميركا، ومن الممكن أن تكون طلبات ترامب نقطة البداية لهذا التفاعل.
- تصريحات ترامب بشأن أفغانستان خلال الحملة الانتخابية
وبالإضافة إلى الحالات السلبية المذكورة أعلاه، اقترح ترامب أيضا بعض السياسات الإيجابية خلال حملته الانتخابية، والتي يمكن أن تكون أساسا لتصرفات حكومته في المستقبل. وخلال المنافسة المذكورة، أكد ترامب أنه سيحاول استعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية؛ لأن هذه القاعدة قريبة جدا من المنشآت الإستراتيجية في الصين. وعلى نحو مماثل، أعرب ترامب عن اهتمامه بإبرام اتفاق تجاري مع طالبان. ويبدو أنه من الممكن التفاوض على اتفاقية تجارية مع طالبان مقابل استعادة قاعدة باجرام.
آخر الكلام
خلاصة القول، ومن خلال المحاور الأربعة المذكورة أعلاه، يمكننا التنبؤ بسياسة ترامب المستقبلية تجاه أفغانستان. وبطبيعة الحال، من الطبيعي أنه مهما كانت السياسة التي تنتهجها أميركا تجاه أفغانستان، فإنها لا تستطيع أن تتجاهل تأثير لاعبين مثل الصين وباكستان وإيران في هذا البلد. ولذلك، فإن سياسة الولايات المتحدة المستقبلية تجاه أفغانستان التي تهيمن عليها حركة طالبان ستتأثر بـ “أولويات ترامب” و”نوع رد فعل طالبان” و”البنية الإقليمية”. يُظهر مجموع هذه العوامل مع الاعتبارات المذكورة أعلاه أن نهج ترامب وإجراءاته في المستقبل من المحتمل أن يساعد في “استقرار حكومة طالبان” في أفغانستان وتسهيل استمرارية حكومتهم.
المصدر: مطالعات شرق
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
التعليقات