تخيل عزيزي المواطن أن أحدهم هتف في أحد شوارع القاهرة وهو يصرخ: “استر نفسك نحن في حرب”. لو نظرت إلى السماء ولم ترى طائرات أو طائرات بدون طيار ولم تسمع صوت طلقات بنادق، فهل تصدق ما يقوله؟
ماذا لو قلت لك إننا نتقاتل منذ سنوات، وأن سلاح هذه الحرب يمكن أن يصبح كتاباً أو فيلماً أو مسلسلاً أو حتى رواية وقصصاً وقصائد وأغاني؟!
ترسخت في أذهاننا الدراما المصرية أننا لن نرى إلا كتبًا ذات شخصيات مثقفة، وتعريف المثقف هنا يعني شخصيات لا «تستحم» ويصيبها الجنون، تجوب الأرض دون قيد أو رقيب. معظمنا يتذكر المشهد الكوميدي للفنان الراحل “أحمد راتب” في فيلم “يا رب ولد” والذي يقول فيه: “أنا مثقف بوهيمي يفعل ما يريد” وكيف رفض “أن يستحم” “. لأنه مثقف!
وقد يجيب القارئ بأنه لا يعرف القراءة على الإطلاق وأنه لا يوجد أي خطر عليه، ولهذا المتحدث نقول له إن الكتاب قد تم تحويله إلى صيغة صوتية وهو متاح بسهولة على هاتفه. لقد أصبح فيلماً تشاهده، أو محاضرة دينية يلقيها داعية يرتدي ملابس فاخرة ويظهر أمامك في كل وسيلة سمعية وبصرية ليقدم لك الأفكار التي يؤمن بها، من وجهة نظره، لتكون الدين الحق. !
ذكرنا في مقال سابق أنه بعد الحرب العالمية الثانية قررت الولايات المتحدة تجنب خطأ الإنجليز والألمان والفرنسيين والروس. بعد أن شهدنا انهيار إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس بسبب الحروب التي دمرتها، نبدأ نسمع من الأمريكيين عن الحرب الثقافية الباردة، وهناك تفاصيل أكبر لمن يريد قراءة كتاب “من دفع الثمن” بايبر “. ؟” عن “إف إس سوندرز”.
وسرعان ما أدرك الأمريكان حجم الخطأ في إرسال جنودهم للموت في بلدان أخرى، ففكروا في وسائل شتى أوصلتهم إلى الفكرة الشيطانية. سنحارب الدول بشعوبها! وأسهل طريقة للسيطرة على هذه الفكرة هي اللعب في أذهان الناس للسيطرة عليها.
أدركت الولايات المتحدة بعد فوات الأوان أن تهديد الجماعات الإرهابية التي أنشأتها في أفغانستان ضد الروس لم يكن بعيدًا عنها، وأن تلك الجماعات بحاجة إلى السيطرة عليها، وأسهل طريقة للقيام بذلك هي توجيه تلك الطاقة العدوانية نحو روسيا. المنطقة العربية. بعيدًا عن المواطن الأمريكي.
وحينها أصدر مركز أبحاث تابع لوزارة الدفاع الأمريكية تقريرا خطيرا للغاية حول كيفية احتواء التهديد الذي تمثله الجماعات الإرهابية. والاحتواء هنا لا يعني القضاء على الإرهاب بشكل عام، بل يعني توظيف هذه الجماعات داخل الدول العربية نفسها. فمن ناحية، سوف يتحرر الأمريكيون من توجيه أسلحة القاعدة مراراً وتكراراً نحو الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى. وستصبح الجماعات ورقة ضغط على أي دولة عربية تحاول مواجهة الغرب على أي مستوى!
ويهدف تقرير مركز الأبحاث الأميركي إلى تشكيل شبكة تحالفات داخل الدول العربية تعمل على تعزيز الثقافة الأميركية، وتدفع الناس إلى رؤية الحياة بعيون أميركية وليس بعيون شرقية، دون الالتفات إلى التاريخ القديم للفكر الشرقي الموجود. قبل آلاف السنين من إنشاء أمريكا!
ولتقريب الموضوع سنقدم نموذجا لتبسيطه وتذكره أكثر. وفي عام 2006، منحت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 20 مليون دولار لشركات النشر المصرية مقابل إنشاء مكتبات في المدارس الابتدائية. وتدفع الوكالة كامل تكاليف الكتب والورق والطباعة. والتعويضات التي تقدمها الشركات لتنفيذ هذا الدعم هي لطباعة كتب الأطفال. قصص تهيئ عقول من يقرأها لتقبل الثقافة الأمريكية بشكل عام، مما يعني أن ذلك العقل الخام سيكون مستعدا في المستقبل لاستقبال المزيد من الأفكار (الأمريكية) وقبول الحريات بمفهومها الغربي.
وخلال تلك الفترة، وتحديدا في عام 2005، وصل عدد المدونات التي أطلقها الشباب المصري إلى 150 ألف مدونة على الإنترنت كتبوا من خلالها أفكارهم. وبعد ذلك، ومع مرور الوقت، ظهر موقع فيسبوك، الذي يستخدمه الآن أكثر من نصف الشعب المصري. !
التعليقات