لماذا لن تستطيع “إسرائيل” تحقيق الهدوء في الشمال؟

وتسببت عمليات حزب الله منذ عام بتقويض الهدوء في شمال إسرائيل، وإجلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من المستوطنات الواقعةً هناك إلى مناطق الوسط، الأمر الذي أضاف أزمة إلى أزمات تل أبيب المتواصلة بشأنهم.

ومنذ بدء العملية العسكرية على لبنان، صنّف الجيش الإسرائيلي المزيد من البلدات في الجليل الأعلى والجليل الغربي كمناطق عسكرية مغلقة.

والمناطق التي شملها القرار الإسرائيلي، هي رأس الناقورة وشلومي وحنيتا وأدميت وعرب العرامشة، إلى جانب بلدات المطلة ومسغاف عام، وكفار غلعادي، ودوفيف وتسفعون ومالكيا ومنارة ويفتاح، وجميعها تُقابلها عدة بلدات في الجنوب اللبناني.

ما هي منطقة شمال إسرائيل؟

ومنطقة “الشمال”شمال إسرائيل”، هي إحدى المناطق الإدارية السبع في إسرائيل، وتمتد من هضبة الجولان والجليل الأعلى شمالاً إلى وادي بيت شان وراموت منشيه جنوباً، وتعد مدينة الناصرة مركزها.

ويحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال لبنان، ومن الشرق سوريا والأردن، ومن الجنوب خط التماس شمال الضفة الغربية.

وتشكل الجليل ومرج بن عامر الجزء الأكبر من هذه المنطقة، فيما تتركز عمليات حزب الله على المناطق التي يقطنها اليهود في إصبع الجليل.

ويقع معظم الجليل ضمن التقسيم الإداري في لواء الشمال ولواء حيفا، ويحده البحر الأبيض المتوسط غربًا، والخط الحدودي مع لبنان شمالاً، ونهر الأردن وبحيرة طبرية شرقًا، أما من الجنوب فتحده مجموعة المنخفضات التي تبدأ شرقًا بوادي جالود ثم سهل مرج بني عامر وتنتهي غربًا بوادي نهر المقطع.

ويشكل الجليل نحو 16% من مساحة فلسطين المحتلة، ويضم 5 أقضية هي: صفد وطبرية وبيسان وعكا والناصرة.

والجليل هي منطقة جغرافية، تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

  • الجليل الأعلى:

وهو الجزء الشمالي لمنطقة الجليل “شمال إسرائيل”، وتقع معظم أراضيه اليوم ضمن حدود إسرائيل، تلتحم مرتفعاته شمالًا مع كتلة جبل عامل في لبنان ويعد حده شمالاً نهر الليطاني.

ويحده من الجنوب سهل مجد الكروم يمر فيه شارع (عكا- صفد)، ومن الشرق يحدّه غور الأردن، ومن الشمال تحدّه الحدود اللبنانية، أما في الجهة الغربية فتنحدر سلاسل جبال الجليل الأعلى حتى شاطئ البحر.

منطقة الجليل في شمال إسرائيل/عربي بوست

  • الجليل الأدنى: 

وهي الجزء الجنوبي لمنطقة الجليل شمال فلسطين، وتُعتبر امتدادًا لسلسلة الجبل المركزية في فلسطين.

وتمتد بين سهل مجد الكروم في الشمال ومرج ابن عامر في الجنوب، أما في الشرق فيحد الجليل الأدنى بحيرة طبرية وغور الأردن، أما الجهة الغربية فيحده مرج ابن عامر والسهل الساحلي.

  • الجليل الغربي: 

وهو شريط من السهل الساحلي، يقع شمال مدينة حيفا، ويمتد إلى الحدود اللبنانية، ويستوعب الأراضي الواقعة بين نهاية جبال الجليل والبحر الأبيض المتوسط، ويضم مجموعة من المدن، منها عكا ونهاريا ورأس الناقورة.

هل نجح الاحتلال في حروب سابقة في جلب الأمن والهدوء في شمال إسرائيل؟

ومنذ عام 1978، فشلت سلسلة من العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، بما في ذلك الاحتلال الذي استمر لسنوات، في تحقيق الأمن والهدوء في شمال إسرائيل، بحسب تقرير لصحيفة “الغاردیان” البريطانية.

وتالياً أبرز العمليات الإسرائيلية السابقة في لبنان:

عملية الليطاني عام 1978: 

في مارس/آذار 1978، وبعد “مذبحة الطريق الساحلي”، عندما دخلت مجموعة من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية إلى إسرائيل من لبنان وقتلت 35 مدنياً، شنت إسرائيل عملية الليطاني.

وكان الهدف من عملية الليطاني شن هجمات على قواعد منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان، لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل.

وشارك في العملية نحو 25 ألف جندي إسرائيلي، بما في ذلك الجزء الأكبر من الفرقة 36 التابعة للجيش وفيلق المظليين.

وخلال القتال اتسع نطاق العملية لتشمل العمليات حتى نهر الليطاني، وهي نقطة ترسيم رئيسية في جنوب لبنان.

قوات الاحتلال خلال عملية الليطاني عام 1978/ويكبيديا

وبحسب بيان صدر عن الجيش الإسرائيلي في ذلك اليوم، فإن “الغرض من العملية هو اقتلاع القواعد الإرهابية بالقرب من الحدود، والتي ينطلق منها المسلحون في مهام بعمق الأراضي الإسرائيلية” على حد وصفه.

وذكرت التقارير الواردة من بيروت في ذلك الوقت، أن الإسرائيليين حرّكوا دباباتهم عبر الحدود ونشروا قوات بحرية بالقرب من صيدا وصور وقصفوا عدة قرى.

وانتهت العملية التي استمرت حتى يونيو/حزيران 1978م، بمقتل نحو 2000 لبناني وفلسطيني، ونشر قوة الأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، للتأكيد على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وإعادة السلام والأمن في المنطقة.

حرب لبنان 1982:

ورغم تنفيذ تل أبيب لعملية الليطاني، فإنها لم تتمكن من استعادة الأمن في شمال إسرائيل، واستمرت الاشتباكات بين منظمة التحرير والقوات الإسرائيلي على طول الحدود.

وعندما أطلقت منظمة أبو نضال الفلسطينية النار على السفير الإسرائيلي في لندن وأصابته بجروح بالغة، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك الوقت مناحيم بيغن باللوم على منظمة التحرير، واتخذها ذريعة لشن ما أسماها الإسرائيليون “عملية السلام في الجليل”.

وكان الهدف من العملية الإسرائيلية، هو استعادة الأمن في شمال إسرائيل، وتدمير القوات الفلسطينية والبنية التحتية لها في جنوب لبنان.

في تلك العملية دخل أكثر من 40 ألف جندي إسرائيلي مع مئات الدبابات إلى لبنان، بدعم من حلفاء لإسرائيل، الأمر الذي أدى إلى حصار بيروت لأشهر عدة.

جنود الاحتلال خلال حرب 1982/ويكبيديا

وفي خضم القتال، قُتل 19 ألف مدني ومقاتل لبناني وسوري وفلسطيني، من بينهم 5500 مدني من غرب بيروت.

ورغم نجاح إسرائيل في فرض إجلاء منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان تحت إشراف دولي، فإن اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل كان سبباً في اندلاع مذبحة صبرا وشاتيلا، عندما قتلت الكتائب المسيحية 2000 فلسطيني.

وفي وقت لاحق، أصدرت لجنة كاهان الإسرائيلية حكماً يقضي بأن إسرائيل كانت مسؤولة “بشكل غير مباشر” عن المذبحة.

ورغم انسحاب القوات الإسرائيلية من بيروت، استمرت إسرائيل في احتلال جنوب لبنان لمدة 18 عامًا، حيث كانت تعمل إلى حد كبير جنوب نهر الأولي.

ومنذ عام 1985، ركزت القوات الإسرائيلية عملياتها بالتحالف مع جيش جنوب لبنان المسيحي شبه العسكري، في ما يسمى بالمنطقة الأمنية، التي كان عمقها يتراوح بين 5 و20 كيلومترًا وتمتد على طول الحدود.

وكان الغرض من الاحتلال من إنشاء المنطقة الأمنية هو ضمان سلامة سكان شمال إسرائيل. ولكن مع رحيل منظمة التحرير الفلسطينية، أصبحت المنطقة محور صراع جديد بين قوات الاحتلال وجماعات أخرى بما فيها حزب الله الذي نشأت في ذلك الوقت، وانتهجت نمط حرب العصابات ضد القوات الإسرائيلية.

وفي مايو/أيار 2000 أمر رئيس الوزراء إيهود باراك بانسحاب القوات الإسرائيلية امتثالاً لقرار الأمم المتحدة رقم 425، الأمر الذي أدى إلى انهيار جيش لبنان الجنوبي.

وكان المستفيد المباشر الأكثر من انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من لبنان، هو حزب الله وزعيمه حسن نصر الله، إذ نسب إليه الفضل محليًا وعربيًا في طرد الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي نجم عنه تغييرات جوهرية في توازن القوى بالجنوب اللبناني.

حرب لبنان الثانية 2006

وبعد عملية معقدة نفذها حزب الله عبر الحدود لاختطاف جنود إسرائيليين لمبادلتهم بالسجناء، شن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت حرب لبنان الثانية “لتغيير المعادلة”، بهدف إجبار حزب الله على الابتعاد عن الجنوب اللبناني لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل.

وبحسب الأكاديمي الإسرائيلي إفرايم إنبار، بعد عام من الحرب التي استمرت شهراً، فإن الجيش الإسرائيلي كان يخطط لمواجهات صغيرة، وليس لحملة عسكرية واسعة النطاق. وقد فوجئ بالمقاومة العنيفة من حزب الله، واصفاً الاعتماد المفرط على القوة الجوية بأنه خطوة استراتيجية خاطئة.

حيث بدأت الحرب بعملية جوية واسعة شملت قصف مطار بيروت، ومقرات حزب الله، ومخزونات الصواريخ في بيروت، بالإضافة إلى مواقع الحزب ومنصات إطلاق الصواريخ في الجنوب، بعد ذلك، زادت التعزيزات البرية بسرعة من 2000 جندي في البداية.

مبنى قصفته قوات الاحتلال الإسرائيلي في الغازية على طريق خارج صيدا جنوب لبنان/ويكبيديا

وانتهت الحرب، مع إصدار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، القاضي بتجريد الجماعات المسلحة بما في ذلك حزب الله، من الأسلحة، وتفكيك البنية التحتية العسكرية في الجنوب اللبناني، على أن يتواجد فيه فقط القوات المسلحة اللبنانية والیونیفیل جنوب نهر الليطاني.

ومع ذلك فإنه لم يتم تنفيذ القرار 1701 على أرض الواقع، فيما ألقى حسن نصر الله خطاباً شهيراً في مدينة بنت جبيل المحررة، عرف باسم “خطاب بيت العنكبوت” وأعلن فيه الانتصار على إسرائيل.

وعقب ذلك، حاولت القوات الإسرائيلية السيطرة على منطقة بنت جبيل في 24 يوليو/تموز 2006، إلا أنها خاضت مع حزب الله معركة من أشرس المعارك، انتهت بمقتل 13 جندياً إسرائيلياً وإصابة العشرات، الأمر الذي انتهى بانسحاب القوات الإسرائيلية منها في 29 يوليو/تموز.

ومنذ ذلك الوقت لم تنجح إسرائيل في تقويض قدرات حزب الله التي نما وتطور منذ ذلك الوقت، حتى أصبحت المنظمة اللبنانية تمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ، تقدر بأكثر من 100 ألف صاروخ بحسب تقديرات إسرائيلية.

حرب 2023.. هل تجلب الهدوء في شمال إسرائيل؟

بدأ حزب الله في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون وإطلاق النيران المضادة للدبابات من مواقعه في جنوب لبنان دعماً ومساندةً لقطاع غزة، في تصعيد اكتسب زخمًا على الجانبين على مدى عام.

وفي الأشهر الأخيرة، تزايدت الضغوط السياسية للسماح بعودة 60 ألف نازح إسرائيلي واستعادة الهدوء والأمن في شمال إسرائيل.

وبحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإن ‘إسرائيل سجلت نحو 1645 إصابة في مبانٍ وشركات ومناطق زراعية في البلدات القريبة من الحدود اللبنانية بسبب صواريخ “حزب الله” منذ بداية المواجهات قبل عام.

ومع وضع هدف “عودة السكان إلى شمال إسرائيل” منتصف الشهر الماضي، شنت هجمات هي الأعنف، بدءاً من “تفجيرات البيجر”، ثم اغتيال قادتها بما في ذلك الأمين العام حسن نصر الله في سلسلة غارات استهدفت الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت.

قصف للاحتلال على لبنان/رويترز

وأطلقت إسرائيل ما وصفته بعمليات محدودة على الحدود، ووضعت هدف “القضاء على البنية التحتية لحزب الله”، ولكن هذه العمليات توسعت بسرعة، حيث تشارك فيها حتى الآن آلاف الأفراد من أربع فرق إسرائيلية في عملية برية على الحدود.

ومنذ دخول الجيش الإسرائيلي قرى لبنانية على الحدود، تم الإبلاغ عن أكثر من 103 حوادث أضرار مباشرة و جانبية للممتلكات، فيما سجلت الأيام العشر التي سبقت العملية 61 حادثة إلحاق أضرار وتدمير بالبنية التحتية والممتلكات الخاصة والعامة، بحسب “یدیعوت احرونوت”.

ورغم وضع الاحتلال هدف “عودة سكان الشمال” ضمن أهداف الحرب، لم يحدد بعد موعداً نهائياً، وسط تشكيك من الأوساط الإسرائيلية المحلية بتحقيق ذلك قريباً على غرار مستوطني الجنوب في المناطق المحاذية لقطاع غزة.

ووفقاً لصحيفة “جیروزالیم بوست” فإنه لم يتم التوصل بعد إلى استراتيجية محددة يمكن صياغتها لمنع حزب الله من إطلاق الصواريخ بشكل دائم أو منعه من العودة في نهاية المطاف إلى جنوب لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي، كما حدث بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة عام 2000، ليبقى السؤال مفتوحاً حول إمكانية قدرة الاحتلال على تحقيق الاستقرار والهدوء في شمال إسرائيل لمواطنيه خلال الفترة المقبلة، أو تحديد موعد محدد لذلك.

عربی بوست

النهایة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *