-مع فوز “دونالد ترامب” بانتخابات الرئاسة الأمريكية، أثيرت تكهنات كثيرة حول سياسته تجاه أفغانستان. وخلال حملته الانتخابية، لم يشرح ترامب بوضوح سياسته تجاه أفغانستان، لكنه انتقد بشدة انسحاب أمريكا من أفغانستان وإجراءات مثل تسليم قاعدة بغرام الجوية.
كما انتقد “دونالد ترامب” بشدة تسليم أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة تزيد على 85 مليار دولار إلى حركة طالبان خلال حملاته الانتخابية، وزعم أن أفغانستان أصبحت الآن أكبر بائع للمعدات العسكرية بعد الولايات المتحدة، وألمح ضمنا إلى أن أمريكا في ظل رئاسته ستحاول استعادة هذه المعدات من طالبان. وخلال الحملة الانتخابية وقبلها، انتقد ترامب مرارا وتكرارا تخلي حكومة جو بايدن عن قاعدة بغرام الجوية شمالي كابول، وقال إنه سيحاول استعادة السيطرة على القاعدة إذا فاز في الانتخابات.
بعد عام 2001 والهجوم الذي شنته الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده هذه الدولة على أفغانستان، كانت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة دائما ذات أهمية خاصة للشعب والسياسيين في أفغانستان، كما كان الوضع في أفغانستان ووجود القوات الأمريكية في هذا البلد من بين أهم المواضيع التي تمت مناقشتها في المناظرات والحملات الانتخابية لمرشحي الانتخابات الأمريكية.
لكن في انتخابات هذا العام، لم تعد أفغانستان الموضوع الرئيس للنقاش، وتعرضت الطريقة الوحيدة لسحب القوات الأمريكية من هذا البلد لانتقادات شديدة من الجمهوريين ودونالد ترامب نفسه. ووصف ترامب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بأنه “الانسحاب العسكري الأكثر خزيا في التاريخ الأمريكي” وقال إن هذا هو السبب وراء مهاجمة روسيا لأوكرانيا “لأنهم رأوا مدى عدم كفاءة هاريس ورئيسها (جو بايدن)”.
وبالنظر إلى أن أفغانستان لم تكن أحد المحاور الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات الثلاث الماضية، فمن غير المتوقع أن تتخذ الإدارة الجديدة لدونالد ترامب قرارات جادة وحاسمة بشأن أفغانستان على المدى القصير. وفي برامج ترامب الانتخابية، لم تكن هناك خطة واضحة تتعلق بأفغانستان، ولم يوضح القائمون على حملته ما هي سياسة إدارة ترامب تجاه أفغانستان وحكومة طالبان.
ومع ذلك، ولأسباب عديدة، لا يمكن لترامب أن يكون غير مبالٍ بأفغانستان والقضايا ذات الصلة بها. السبب الأول هو استعادة الصورة المتضررة لأميركا في الانسحاب المتسرع من أفغانستان في الدوائر المحلية والدولية. الطريقة التي خرجت بها أمريكا بعد إنفاق الكثير من الأموال وقتل العديد من الجنود الأمريكيين، لاقت انتقادات من العديد من المحللين والسياسيين في مختلف أنحاء العالم. وبعد انسحاب أمريكا، وعلى الرغم من المساعدات المالية الكبيرة التي قدمتها البلاد لحركة طالبان، حاولت دول مثل الصين توسيع نفوذها في أفغانستان، وكان ذلك بمثابة تحذير خطير لسلطات واشنطن.
المساعدات المالية الأمريكية
القضية الثانية هي أن الوضع الجيوسياسي الحساس لأفغانستان ووجود الموارد الجوفية البكر وغير الملوثة في هذا البلد قد جذب انتباه العديد من الدول الإقليمية وخارج المنطقة مثل الصين. أمريكا بقيادة ترامب ليست استثناء من هذه القاعدة ولا تريد أن تتخلف عن منافسين مثل الصين في هذه اللعبة، وأخيرا، اعتماد طالبان على المساعدات المالية الأمريكية يجعل ترامب يستخدمها لتحقيق أهدافه في أفغانستان.
وكانت أفغانستان إحدى أولويات سياسة ترامب الخارجية خلال الفترة الأولى من رئاسته. وفي عهده، وبعد 18 شهرا من المفاوضات المكثفة بين الدبلوماسيين الأمريكيين وطالبان في الدوحة بقطر، أدت إلى توقيع اتفاق عرف باسم “اتفاق الدوحة” في 29 فبراير 2020، والذي أدى إلى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في ظل حكومة “جو بايدن”.
وعلى إثر هذا الاتفاق وبعد انسحاب القوات الأمريكية، وبعد عدة أشهر من الصراعات العسكرية بين الحكومة الأفغانية السابقة وقوات طالبان، سقطت حكومة “أشرف غني”، وفي 15 أغسطس 2021، بدأت الفترة الجديدة لحكم طالبان في أفغانستان.
لكن هذا الاتفاق تضمن بنودا، بحسب ترامب، لم تلتزم طالبان بالالتزامات الواردة فيه. وفي هذا الصدد، قال “زلماي خليل زاد” الممثل الخاص للولايات المتحدة في محادثات السلام بين إدارة ترامب الأولى وطالبان، على شبكة ايكس إنه مع عودة ترامب إلى السلطة، ظهرت فرصة جديدة لتنفيذ جميع بنود اتفاق الدوحة.
ردا على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أعربت وزارة خارجية طالبان عن أملها في أن يبدأ فصل جديد من العلاقات بين أفغانستان والولايات المتحدة.
وقالت حكومة طالبان في بيان: “إن وزارة خارجية إمارة أفغانستان الإسلامية (حكومة طالبان)، وفي إطار سياستها الخارجية المتوازنة، تأمل أن تتخذ الحكومة المستقبلية لهذا البلد خطوات واقعية لتحقيق تقدم ملموس في العلاقات بين البلدين ويمكن للبلدين التفاعل في ظل العلاقات المتبادلة، وبدء فصل جديد من العلاقات الثنائية. وذكر البيان أن “اتفاق الدوحة بين إمارة أفغانستان الإسلامية (حكومة طالبان) والولايات المتحدة تم التوقيع عليه خلال رئاسة دونالد ترامب، وأنهى احتلال أفغانستان الذي دام 20 عاما”.
عبد الغني بارادار
وقال طارق فرهادي، المحلل السياسي الأفغاني: “ينظر دونالد ترامب إلى السياسيين الأفغان السابقين على أنهم أشخاص فاسدون أهدروا الأموال الأمريكية في أفغانستان. والسياسي الوحيد الذي يقبله ترامب هو عبد الغني بارادار، زعيم طالبان. وأضاف الولايات المتحدة ليست مهتمة بأفغانستان والقضايا المرتبطة بها في الوقت الحالي، لكن إذا أصبحت أفغانستان أولوية لإدارة ترامب، فإنها ستتواصل بلا شك مع عبد الغني بارادار.
وقال المفتش الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، المسؤول عن الإشراف على استخدام الكونجرس الأمريكي للأموال الأمريكية، في تقرير صدر في يوليو إن الولايات المتحدة خصصت أكثر من 20 مليار دولار كمساعدات مالية لأفغانستان منذ انسحاب قواتها. فضلا عن ذلك فقد قدمت نحو ثلاث مليارات دولار من المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة لأفغانستان، والتي يتم تسليمها شهريا، وهذا هو السبب الرئيس وراء عدم انهيار حكومة طالبان بشكل كامل.
ومن المتوقع أن يراقب ترامب، كرئيس، استخدام الأموال الأمريكية في أفغانستان عن كثب، وقد يقرر وقف إرسال المساعدات إذا لم تمتثل حكومة طالبان لبعض مطالب الحكومة الأمريكية ورفض المجتمع الدولي ذلك لأي سبب من الأسباب أفغانستان.
ويأمل بعض معارضي طالبان أن يتبنى ترامب سياسة أكثر صرامة ضد طالبان. على سبيل المثال، يأمل الجنرال سميع سادات، المسؤول العسكري الأفغاني السابق الذي أنشأ جماعة مناهضة لطالبان في الولايات المتحدة، في حدوث تغييرات ملموسة في السياسة الخارجية الأميركية في التعامل مع أفغانستان. وقال في مقابلة مع دويتشه وله: “نحن ندعم سياسات ترامب تجاه أفغانستان ومع فوزه فإن احتمال التعاون بيننا وبين إدارة ترامب مرتفع للغاية”.
هذا ويرى خبراء في الشؤون الدولية، إنه مع الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، ستتغير أيضا سياسات البلاد تجاه أفغانستان. مصرحين بانه مع وجود الحكومة الجديدة في واشنطن ستنتهي فترة التفاعل والتعاون مع طالبان وسنشهد على الأرجح زيادة العقوبات والضغوط على طالبان.
قضايا مثل حقوق الإنسان والمجتمع المدني وحريات المرأة والمواطنين ليست من بين القضايا التي يضغط ترامب على طالبان من أجلها؛ ومع ذلك، فهو يسعى، مثل رجل الأعمال الاستغلالي، إلى زيادة أرباحه ومصالحه. ولذلك فإن ترامب سوف يستخدم حقوق الإنسان كوسيلة لتحقيق أهدافه. وهو يسعى إلى إجبار طالبان على الرضوخ للولايات المتحدة دون حرب أو غزو عسكري. ويعد قطع أو خفض المساعدات الاقتصادية لطالبان وزيادة العقوبات من بين الأدوات التي سيستخدمها ترامب للضغط على طالبان.
صعبة للغاية
فضلا عن ذلك فإن انتخاب شخصيتين مهمتين في حركة طالبان لمنصبين سياسيين رئيسيين من شأنه أن يعزز التكهنات بأن المواجهة التي ستخوضها الإدارة الأميركية في المستقبل مع حركة طالبان سوف تكون صعبة للغاية. إن تعيين ماركو روبيو وزيرا للخارجية، والمخضرم الأفغاني مايك والتزر مستشارا للأمن القومي لإدارة ترامب، يحدد جزئيا آفاق سياسة الإدارة الأمريكية المستقبلية بشأن أفغانستان.
وبالنظر إلى المواقف القوية لعضوي مجلس الشيوخ بشأن طالبان، يبدو أننا سنشهد تغييرات كبيرة في نهج إدارة ترامب تجاه طالبان. وقد وصف والتز وروبيو حركة طالبان علانية بأنها “منظمة إرهابية” ودعا إلى اتخاذ إجراء أمريكي حاسم ضد الجماعة والتهديدات الإرهابية المحتملة. وقد دعت شخصيات مؤثرة أخرى، مثل مايكل ماكول، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، مرارا وتكرارا طالبان إلى التوقف عن إساءة استخدام المساعدات الأمريكية.
هناك قضية أخرى يبدو أنها تثير قلق إدارة ترامب وهي مصير احتياطيات أفغانستان من النقد الأجنبي البالغة 3.5 مليار دولار في سويسرا. واستخدمت إدارة بايدن بعض الآليات للسماح لحكومة طالبان باستخدام هذه الاحتياطيات. ومن المرجح أن تكون إدارة ترامب أكثر صرامة بشأن نقل هذه الموارد إلى حكومة طالبان.
آخر الكلام
وبناء على ما سبق، يمكن الاستنتاج أنه في إدارة ترامب الجديدة سنشهد ممارسة ضغوط متزايدة على حركة طالبان. ولأسباب سياسية وأمنية، فإن احتمال القطع الكامل للمساعدات أمر غير مرجح، لكن الأدلة تشير إلى أن عملية خفض المساعدات، التي بدأت بالفعل، سوف تستمر.
ولذلك فمن المتوقع أن تواجه أفغانستان ونظام طالبان العديد من الأزمات الاقتصادية خلال رئاسة ترامب، الأمر الذي سيؤدي إلى عدة أزمات اجتماعية وسياسية مثل زيادة دخول المهاجرين الأفغان إلى دول مجاورة مثل إيران وباكستان.
المصدر: موقع ايراس
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
التعليقات