-إن التحديات الجيوسياسية التي واجهتها باكستان منذ تأسيسها، بما في ذلك التطرف الديني والعرقي وضعف الحكم والفساد، أدت إلى زيادة نفوذ القوى الإقليمية وغير الإقليمية في هذا البلد. وفي الوقت نفسه فإن الكوارث البيئية التي تؤدي إلى الركود الاقتصادي تجعل باكستان من وقت لآخر يواجه انقسام عميق ومتعدد الأوجه وتجعل اقتصادها أكثر مرونة بشكل ملحوظ أمام الجهات الأجنبية وتمكن الجهات الأجنبية من تنفيذ الإصلاحات السياسية ومتابعة برامجها التنظيمية المنشودة في هذا البلد.
هذا وإن الولايات المتحدة الأمريكية في فترات مختلفة، بالنظر إلى المخاوف الأمنية والتجارية الكبرى من الصين، والوضع الأمني غير المواتي في أفغانستان والنفوذ الإقليمي لإيران وروسيا، فضلا عن اتباع استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ، قد حددت أولوياتها الاستراتيجية على أساس الحفاظ على تكافؤ الفرص في العلاقات مع باكستان.
إن نهج كل حكومة في الولايات المتحدة تجاه باكستان هو نهج أمني وعسكري، وهدفها حماية مصالحها واستخدام هذه المصالح لتنفيذ الاتفاقيات الإقليمية والدولية. ورغم أنه في العهد الجديد لقيادة ترامب سيتكرر الإعلان عن التزامات اقتصادية وعسكرية تجاه باكستان كما حدث في الماضي، إلا أن محاولة إدارة ترامب تسليط الضوء على تهديدات الصين وروسيا وأفغانستان وإيران والتأكيد على قدرتها على ضمانات إقليمية ومن الممكن أن يؤدي انعدام الأمن وإلى زيادة عدم الثقة العامة والتوتر الداخلي في باكستان وزيادة الضغط على منافسي الولايات المتحدة الإقليميين. ولذلك، وفقا للوضع الجيوسياسي والقوى السياسية في المنطقة، يبدو أن باكستان والولايات المتحدة سوف تتقاربان مرة أخرى.
تأثير فوز ترامب على باكستان وجيرانها
خلال رئاسة ترامب (2017-2021)، اتسمت العلاقات الثنائية بين باكستان والولايات المتحدة بتركيز واشنطن الفريد على المخاوف بشأن الملاذات الآمنة للميليشيات في باكستان والشكاوى من عدم تعاون إسلام آباد في مواجهة حركة طالبان الأفغانية. وفي هذا الصدد، قطعت إدارة ترامب 1.3 مليار دولار من المساعدات الأمنية لباكستان بسبب هذه الادعاءات. وبالإضافة إلى ذلك، علقت برامج التدريب في الأكاديميات العسكرية الأمريكية لضباط الجيش الباكستاني، وهي السمة المميزة للتعاون العسكري الثنائي لعقود من الزمن.
بالإضافة إلى ذلك، سعت إدارة ترامب إلى تعزيز الهند والولايات المتحدة من خلال الحوار الأمني الرباعي. وقد عززت هذه الفكرة الهند كشريك استراتيجي لمواجهة نفوذ الصين في المنطقة، مما أثر بشكل أكبر على العلاقات الباكستانية الأمريكية.
ومع ذلك، على الرغم من أن بعض الخبراء يعتقدون أن الولايات المتحدة ستخفض تفاعلها مع باكستان بشكل أكبر خلال الفترة الثانية من رئاسة ترامب بسبب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والحد من التعاون الأمني الثنائي، يعتقد العديد من الخبراء الآخرين أنه بسبب عدم رضا ترامب من طالبان ربما ستكون هناك منطقة تقارب بين الولايات المتحدة وباكستان.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تتخذ إدارة ترامب موقفا أكثر صرامة بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين، بما في ذلك المزيد من الضغوط ضد مبادرة الحزام والطريق. وقد يعني هذا أن تعاون باكستان مع الصين في إطار الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني قد يتعرض لمزيد من التدقيق والضغط من إدارة ترامب، مما يجبر باكستان على الاختيار بين الجانبين.
ومن ناحية أخرى، فإن الولاية الثانية لرئاسة ترامب يمكن أن تخلق علاقات أوثق بين الولايات المتحدة والهند، الأمر الذي يقلق باكستان بشكل كبير. ومن المحتمل أن تؤدي عودة ترامب إلى البيت الأبيض إلى تعقيد المشاكل الأمنية بين باكستان والهند. وبحسب الخبراء فإن دونالد ترامب لا يستطيع أن يلعب دورا في تطبيع العلاقات بين باكستان والهند لأنه حاول تطبيع العلاقات بين باكستان والهند في الماضي، لكن الهند رفضت ذلك وقالت إنها مسألة ثنائية وليس من الممكن بسهولة حلها.
من ناحية أخرى، فإن التأثير المحتمل لسياسات ترامب المناهضة لإيران على باكستان قد يضع الشكوك حول تشكيل الثقة المتبادلة في العلاقات بين طهران وإسلام آباد، وتحت تأثير الضغوط من واشنطن، ستنشأ التوترات في العلاقات بين إيران وباكستان. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب، وعدم اهتمامه بالشؤون الداخلية لباكستان، والتحول المحتمل نحو الهند، يمكن أن يؤدي إلى تعقيد الأمور بالنسبة لباكستان وجيرانها.
عملية المفاوضات الأمنية بين باكستان والولايات المتحدة
كان للولايات المتحدة وباكستان تاريخ معقد ومتوتر من المفاوضات الأمنية. وقد سعت الحكومات المتعاقبة للولايات المتحدة إلى التعاون الأمني مع باكستان على أساس مؤقت ودائم، لتحقيق مصالحها الأمنية على المدى القصير والطويل.
وفي هذا الصدد، فإن مكافحة الإرهاب في المنطقة من خلال التركيز على الأولويات ذات الاهتمام المشترك، والتعاون لمواجهة داعش خراسان وحركة طالبان باكستان وغيرها من المنظمات الإرهابية وتهديدات الإرهاب العابر للحدود الوطنية، بالإضافة إلى الحساسيات الأمنية الأمريكية تجاه المنطقة تجاه الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني قد شكل محور مفاوضات أمنية بين البلدين في السنوات الأخيرة.
ويؤكد كبار المسؤولين الباكستانيين والأميركيين على أهمية توسيع التعاون في مكافحة الإرهاب وبناء القدرات، بما في ذلك تبادل الخبرات الفنية والمساعدة في توفير أمن الحدود والبنية التحتية التعليمية. وبطبيعة الحال، في السنوات الأخيرة، عقدت المحادثات الأمنية بين إسلام آباد وواشنطن في حين تتهم باكستان أفغانستان بدعم مختلف الجماعات المسلحة وتلقي باللوم على أفغانستان في استمرار انعدام الأمن.
ويتعلق أحد المخاوف الرئيسية لإسلام أباد بدور الهند وبصمتها في كابول، وهو الأمر الذي أرادت الولايات المتحدة تعزيزه تحت رعاية سياسة ترامب في جنوب آسيا. وقد تؤدي هذه القضية مرة أخرى إلى حدوث صدع بين باكستان والولايات المتحدة مع إعادة انتخاب ترامب.
ومع ذلك، فإن المفاوضات الأمنية بين الولايات المتحدة وباكستان ستستمر بشكل مستمر في ظل إدارة ترامب، وستظل الولايات المتحدة شريكا مهما لباكستان في التنمية الاقتصادية والمساعدة الأمنية. وستتأثر هذه المفاوضات بشكل كبير بالعوامل الخارجية والتطورات الإقليمية والعالمية، لا سيما تعاون باكستان الأمني العميق مع روسيا والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من حيث إجراء تدريبات بحرية مشتركة في المحيط الهندي، وتوقيع تعاون عسكري وشراكات استراتيجية للحفاظ على العلاقات الثنائية للحفاظ على توازن القوى الذي يمكن أن يضعف سياسة واشنطن الإستراتيجية تجاه إسلام أباد.
مستقبل العلاقات
يبدو أن أمريكا بقيادة دونالد ترامب؛ ومع الأخذ في الاعتبار التعاون الاقتصادي والتجاري الوثيق بين الصين وباكستان، ورغبة روسيا ودول آسيا الوسطى في الوصول إلى منطقة المحيط الهندي وأسواق جنوب شرق آسيا عبر باكستان، فضلا عن محاولة إيران الوصول إلى منطقة المحيط الهندي وأسواق جنوب شرق آسيا عبر باكستان للاستفادة من ممرات عبور من أراضيها ومن ناحية أخرى، الدور المهم الذي تلعبه الجماعات الإسلامية الأصولية المتطرفة في المناطق الحدودية الباكستانية وارتباطها بحلفائها الجهاديين الإقليميين للقيام بعمليات عسكرية ضد الغرب وحلفائه في المنطقة، فضلا عن دور إمارة أفغانستان الإسلامية في تسهيل عملية التوتر والصراع الإقليمي وتمكين الجماعات الإرهابية؛ أقول كل تلك القضايا تجعل إدارة ترامب تلجأ إلى استخدام أدوات مثل التدخل السياسي والتدخلات العسكرية في باكستان لإنشاء منطقة آمنة من أجل تعزيز موقفها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
إن منظور إدارة ترامب في الارتقاء بعلاقاتها مع باكستان إلى مستوى الحوار السياسي الأمني والقضاء على تهديدات المنظمات الإرهابية لمصالحها وتوجيه هذا التهديد نحو منافسيها الإقليميين – الصين وإيران وروسيا – سيصبح قضية مهمة في السياسة الخارجية الباكستانية. ولذلك فإن باكستان ستشهد تغيرات كبيرة في سياستها الخارجية في الأعوام المقبلة. وعلى هذا، ففيما يتصل بالسياسة الخارجية، فإن العمليات العسكرية التي تشنها الجماعات الأصولية في باكستان سوف تؤدي إلى زيادة العلاقات بين البلاد والولايات المتحدة وحلفائها.
تجدر الإشارة إلى أن أي قرار لتغيير السياسة الخارجية في باكستان قد يواجه مقاومة من الداخل. وفيما يتعلق بالسياسة الداخلية، فمن المحتمل أنه بسبب الوضع الاقتصادي الهش، والاقتراض والديون الأجنبية الواسعة النطاق، والقيود المفروضة على أنشطة القطاع الخاص وارتفاع أسعار السلع الأساسية ونقص الطاقة، سيبدأ التوتر والصراع الداخلي واسع النطاق في باكستان وسيتم دعم الفصائل المختلفة من قبل القوى الإقليمية.
إلا أن نتائج المنافسة الأميركية مع منافسيها في باكستان قد تؤدي إلى المزيد من الانقسامات السياسية والطائفية والحرب الأهلية، رغم أن السلطات الباكستانية تحاول كبح تحدي الإرهاب الداخلي وهي محاولة ليست متفائلة للغاية.
على أية حال، يبدو أن هناك في عهد ترامب خطة جديدة من الولايات المتحدة لباكستان، باستثناء نفس السياسات السابقة، مفادها الالتزام بأن تكون لاعبا فاعلا لتعزيز حل الصراعات في المنطقة وتكوين شراكة قوية لزيادة الرخاء والتنمية والأمن في باكستان.
كما أن مسألة التهديدات الناشئة من الصين، والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بالقدرات العسكرية البحرية والاستراتيجية الجيواقتصادية (خطة الحزام والطريق الصينية إلى جانب الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني) وتعاون روسيا المتنامي مع الصين في المنطقة الأوروبية الأطلسية والمحيط الهادئ وتعد منطقة المحيطين الهندي والهادئ من أولويات سياسات إدارة ترامب، وفي هذا الصدد، تحاول الولايات المتحدة الحد من مثل هذه التحديات في جنوب آسيا إلى حد كبير من خلال جغرافية باكستان وجيوسياستها.
وبهذه الطريقة، ستواجه باكستان في السنوات المقبلة تكثيف المخاطر الجيوسياسية الناجمة عن ألعاب القوى العظمى، والصراعات الإقليمية، وتحدي الإرهاب.
المصدر: مطالعات شرق
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
التعليقات