منذ سنوات أطلقت هيئة التنسيق العمراني مبادرة كبرى لتوثيق الأماكن المرتبطة بحياة رموز مصر وأسمائهم البارزة في مختلف مجالات الحياة. وقد انتهى منظمو المشروع حتى الآن من توثيق ما يقرب من ألف مبنى شغله المبدعون في مصر. والرواد، عدد هائل يؤكد جدية العمل على المشروع الذي بدأ يؤتي ثماره، ولفت انتباه الكثير من شبابنا وأفراد الأجيال الحديثة إلى أسماء ظننا خطأ أنها نسيها في ظل هذا التلوث الفكري الذي نعيشه. بالإضافة إلى تحديث كل ذاكرتنا بعشرات الأسماء التي أثرت حياتنا بشكل عام، وهو ما دفع معظمنا للجوء إلى محركات البحث من أجل زيادة المعرفة حول هذا الاسم أو ذاك.
وبرزت مبادرة أخرى من مبادرة «عاش هنا» وهي «قصة شارع» والتي تتعدى حدود المبنى الذي عاش فيه المبدع المصري إلى نطاق أوسع يشمل الشارع والمنطقة التي شهدت تألقهم. ومساهمة كبيرة، في إشارة بليغة تكمل فيها المبادرتان بعضهما البعض للتأكيد على التراث والقيم التي تمتلكها مصر والشخصيات التي كان لها تأثير في حياة الإنسان، مما يدل على التأثير الثقافي لمصر في المنطقة العربية وحتى في المنطقة بأكملها. عالم.
وهذا صحيح وجميل، وصحيح أيضًا أن مشروع «عاش هنا» يؤكد على الربط بين ما تركه النصب الحجري والتأثير الإنساني ككل، ليتمكن الناس من التعرف على قصص هذه الشخصيات وتاريخهم معها والأماكن التي كانوا يعيشون فيها، بالإضافة إلى التأكيد على الهوية الثقافية المصرية القديمة المتجذرة في الزمن.
كل هذا رائع وجميل، وبالإضافة إلى ذلك -وهو أمر في غاية الأهمية- فإن المشروع يرسخ قيم الانتماء للوطن والتراث الحضاري الذي تتمتع به مصر، ويسلط الضوء على نماذج إيجابية وملهمة يمكن أن تكون قدوة للوطن. الأجيال الحالية بدلاً من تركها أهدافاً لصرخات الاغتراب والتشويه العقلي وحتى الإلهاء عما يستحق الاهتمام.
إنه يبني إنساناً متحضراً ومتطوراً يساهم في نهضة وطنه، لكن يجب على القائمين على المشروع ألا يتجاهلوا أنه إذا كان الهدف الأول الذي قصد من أجله هو التوثيق، فإن التوثيق نفسه قد شابه الكثير من الأخطاء. أو على أقل تقدير عدم الدقة في تسجيل بيانات الأسماء والرموز المحتفى بها في الموقع. ولا تزال هذه الطريقة موجودة، على سبيل المثال، لتوثيق عيد ميلاد الفنانة شادية التي ولدت في 9 فبراير وليس في. الثامن من نفس الشهر، أو سنة ميلاد المخرج نيازي مصطفى، الذي ولد عام 1911، وليس 1910، على سبيل المثال وليس الحصر.
وهذا يعني أننا نبث معلومات مشوهة أو مربكة للأجيال اللاحقة، والخطير هو اعتماد تلك المعلومات على أنها صحيحة ودقيقة لأنها صادرة عن جهة رسمية. وطبعا أعلم أن هناك لجنة متميزة مكلفة بالتحقق والتحقق. التحقق من موقع الشخص الشهير والمعلومات المتعلقة به، وأتفهم أنه من الصعب أيضًا تحديد الأماكن التي عاش فيها رموزنا، خاصة أولئك الذين ماتوا منذ عقود.
ومن الممكن أن يتنقلوا بين أكثر من مسكن، لكن مهما كانت هذه الصعوبات فإن الأمر يتطلب دقة أكبر، إضافة إلى وضع ضوابط صارمة ومعايير محددة لاختيار المكان الذي تعيش فيه الشخصية المراد تخليدها، وليس مجرد منزل أو شارع. الذي قضاه هذا المبدع مر مرور الكرام، فترك مكانا آخر عاش فيه ونفذ مشروعه الحضاري الذي أولي له الاهتمام.
ناهيك بالطبع عن الاختيار من البداية للأسماء التي سيتم الاحتفاء بها، بدلاً من أن يصبح الأمر مجرد وضع لافتة تحت المبنى تعطي بعض المعلومات عن سكانه، حيث يجب أن يهتم المشروع حقاً بمن يستحقون ذلك. احصل عليه. وخلد اسمه وبقيت ذكراه حية في أذهان ونفوس أجيال بعد أجيال. أو بتعبير أدق، لا بد من تخليد الفائز الحقيقي حتى لا تفقد المبادرة أهميتها وكرامتها، بدلا من أن يصل الأمر إلى أسماء مثل إبراهيم خان. وإبراهيم نصر وعبد الغني قمر وآخرون. حميدة مثلا، بحسب القوائم المنشورة على الموقع الرسمي لمشروع «عاش هنا»، مع احترامي لشخصهم جميعا، لكن ليس من المنطقي ولا المرغوب فيه أن يتم وضعهم بجوار نجيب محفوظ. ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم ورشاد رشدي وطه حسين والعقاد في قارب واحد.
ومن المهم أيضًا سن تشريعات صارمة تعطي الحرية لجهاز التنسيق العمراني في وضع هذه اللافتات خارج سيطرة أو اعتراضات أصحابها حتى لا تتكرر حادثة صاحب المبنى الذي عاشت فيه الفنانة شادية، وأيضًا يضمن حماية لافتة “عاش هنا” من الإزالة أو التخريب أو التشويه. وهذا ما حدث للعلامة الصحفي الراحل حمدي قنديل لولا مساعدة زوجته الفنانة الكبيرة نجلاء فتحي التي ساعدته. وكانت المساعدة من وزارة الثقافة قد استجابت سابقًا وأعادت الملصق. إلى مكانه الطبيعي .
ورغم هذه الملاحظات، فمن الواجب والمهم أن نشكر وزارة الثقافة وتنسيق الحضارات والقائمين على المبادرة، على نبل الفكرة وصدق الهدف والجهد الكبير الذي يبذل لإتمام المشروع. على النحو الأمثل، حتى تصبح مصر ذاكرتها الثقافية التي تجمع بين الشعب والآثار.
التعليقات