عودة المنافسة بين أمريكا والصين في عصر ترامب

-المسألة التي ينبغي إثارتها عند النظر إلى انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية هي أن انتخابه يمكن أن يغير أولويات السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية، وكما هو الحال في الفترة السابقة، حيث المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في بحر الصين الجنوبي، فضلا عن حرب التعريفات الجمركية، اذ تقود مسار السياسة العالمية باتجاه الحرب الباردة الثانية بين الولايات المتحدة وهذه المرة الصين بدلا من الاتحاد السوفييتي، والتي ستكون بالطبع مختلفة تماما عن الحرب الباردة الأولى وستكون لها أبعاد واسعة. 

سنتناول في هذا المقال الخصائص التي سيتم تسليط الضوء عليها في المنافسة بين دونالد ترامب والصين، وفي حال قيام حرب باردة ثانية بين الولايات المتحدة والصين: 

1- التنافس الأمني والعسكري: تجدر الإشارة إلى أن الصين تمكنت حتى الآن من التعلم من التجربة السوفييتية والخروج من عبء الزيادة المفاجئة في النفقات العسكرية وعمليا باستخدام المظلة الأمنية الأمريكية وأيضا سياسة عدم التدخل في مختلف الأماكن تمكنت من توسيع وزيادة نفوذها؛ لكن من الناحية العملية، ستحاول الولايات المتحدة أيضا دفع الصين نحو النزعة العسكرية من خلال زيادة التحديات العسكرية والأمنية للصين، خاصة في بحر الصين الجنوبي، وكذلك زيادة النفقات العسكرية للصين، لتطبيق الخطة التي تم تنفيذها في التعامل مع الاتحاد السوفيتي، اذ ومن خلال زيادة النفقات تأثر الاقتصاد العسكري للاتحاد السوفييتي.

وفي هذا الصدد، وعلى غرار السياسات السابقة لإدارة ترامب، يمكن النظر في الإعداد العسكري لأستراليا وحتى اليابان؛ إن زيادة الإنفاق العسكري أمر لا مفر منه بالنسبة للصين، لكن ليس من الواضح إلى أي مدى ستتمكن الولايات المتحدة من النجاح في هذا الصدد، بالنظر إلى الحجم الكبير للاقتصاد الصيني مقارنة بالاتحاد السوفييتي السابق، الذي مول فعليا جزءا من اقتصادها عن طريق بيع المواد الخام، لأن الاقتصاد الصيني لديه أيضا القدرة على زيادة إنفاقه العسكري بما يصل إلى تريليون دولار سنويا.

2- تزايد الضغوط حول حقوق الانسان: خلال فترة الديمقراطيين وجو بايدن، لم تكن هناك أي تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ، وانخفضت ضغوط حقوق الإنسان على هذا البلد بسبب تحسن العلاقات بين الديمقراطيين والعالم، بما في ذلك الصين؛ لكننا قد نرى المزيد من الأخبار حول انتهاكات حقوق الإنسان في مقاطعة شينجيانغ في عهد دونالد ترامب.

3- الحرب الاقتصادية: وهذا الجانب بارز للغاية، مع الأخذ في الاعتبار أنه على عكس الاتحاد السوفييتي الذي كانت النزعة العسكرية فيه، فإن خاصية الصين أكثر اقتصادية، في حالة اشتداد المنافسة من إدارة ترامب وأيضا حدوث الحرب الباردة الثانية، فان السمة الأساسية لهذه المنافسة أو الحرب الباردة هي حرب اقتصادية باردة ضد الصين وحلفائها، بما في ذلك مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون لكن بعض مؤشراتها بارزة، والتي سنسلط الضوء عليها أدناه.

1-3- حرب التعريفات:

في إدارة ترامب السابقة، كانت هناك حرب رسوم جمركية بين الصين والولايات المتحدة، ومن الواضح أنه إذا استمرت سياسة احتواء الصين من قبل دونالد ترامب، فإن حرب الرسوم الجمركية هذه ستشتد وستتبعها أبعاد أوسع مما كانت عليه في الفترة الأولى. وقد يضطر الصينيون إلى البحث عن عملاء لبضائعهم في أجزاء أخرى من العالم. وفي حالة نشوب حرب تعريفية، فإن المنافسة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة سوف تمتد إلى أجزاء أخرى من العالم.

2-3- محاولة إفشال مشروع طريق الحرير الجديد:

يعد مشروع طريق الحرير الجديد أحد أكبر خطط الصين لتوسيع نفوذها الاقتصادي، والذي يمكن أن يؤثر على تبادلات الصين مع آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. وفي عهد جو بايدن، انسحبت إيطاليا أيضا من المشاركة في مشروع طريق الحرير الجديد. وفي عهد دونالد ترامب قد تنسحب المزيد من الدول من هذه الخطة من خلال زيادة الضغط على الدول المختلفة؛ لكن رفض مشروع طريق الحرير الجديد، الذي يعتبر في أغلبه رمزيا، لا يعني قطع طرق التصدير الصينية؛ لأنه عمليا، في العالم الحالي، يتم تنفيذ جزء كبير من تصدير البضائع عن طريق الطرق البحرية؛ لكن ترامب سيحاول التسبب في فشل سياسي للصين بالإضافة إلى فشل اقتصادي من خلال هزيمة هذه الخطة.

3-3- الشرق الأوسط:

يتأثر جزء من هذا الجانب أيضا بالقضية الواردة أعلاه. إن الشرق الأوسط هو الممر الرئيس لطريق الحرير الأزرق وطريق الحرير الأرضي، وإذا أرادت إدارة ترامب أن تصل بهذا المشروع إلى طريق مسدود، فإنها ستستخدم أساليب مختلفة، بما في ذلك الوعود الاقتصادية في المقام الأول، وفي المرتبة الثانية، سياسة العصا والجزرة، وتزايد الضغوط على دول الشرق الأوسط وبهذا سوف تسعى إلى إيقاف خطة الصين الجديدة لطريق الحرير المائي والبري وستحاول إيقاف استثمارات الصين في دول مجلس التعاون الخليجي بما يتماشى مع بناء طريق الحرير البري والمائي الجديد.

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط هو أن الصين تستهلك حاليا 16.6 مليون برميل من النفط يوميا، في حين يبلغ إنتاج الصين من النفط 4.2 مليون برميل يوميا. كما تستورد الصين 11.3 مليون برميل من النفط الخام يوميا، منها 5.6 ​​مليون برميل من الشرق الأوسط و1.5 مليون برميل من النفط من روسيا. وتأتي معظم واردات الصين النفطية من الشرق الأوسط. وإذا كان تصميم أمريكا على احتواء الصين جديا، فليس بعيدا عن الأذهان أن هذه القضية ستؤثر على التطورات الأمنية والجيوسياسية في الشرق الأوسط في المستقبل، أو ستحاول أمريكا التأثير السلبي على اقتصاد الصين من خلال زيادة أسعار النفط أو خفض إنتاج النفط في دول الشرق الأوسط.

 ونظرا لأن الولايات المتحدة تنتج كل استهلاكها اليومي تقريبا في هيئة النفط الصخري، فإن الزيادة في أسعار النفط سوف تكون أكثر تكلفة بالنسبة للصين مقارنة بالولايات المتحدة؛ لكن إذا سعت الولايات المتحدة إلى خفض إنتاج وتصدير نفط الشرق الأوسط إلى الصين من خلال قضايا أمنية وجيوسياسية، فإن هذه القضية سيكون لها فائز واحد، وهو روسيا، التي يمكنها أن تحل بسرعة محل جزء من النفط الذي تحتاجه الصين، والذي يتم توريدها من الشرق الأوسط؛ ولكن هذه القضية في حد ذاتها من الممكن أن تؤثر على اقتصاد حلفاء أميركا، بما في ذلك الهند والاتحاد الأوروبي. ويبدو أن الولايات المتحدة قد تحاول تشجيع الدول العربية على زيادة صادراتها إلى الهند أو الاتحاد الأوروبي.

4-3- الهند: أحد سبل احتواء الصين يمكن أن يكون الهند. قد تسعى الولايات المتحدة إلى تغيير القطب الصناعي لآسيا من الصين إلى الهند، وقد اتخذت خطوات في هذا الاتجاه خلال الرئاسة الأولى لدونالد ترامب؛ لكن بسبب عدم فوزه في الانتخابات فشلت هذه القضية؛ وبطبيعة الحال، تجدر الإشارة أيضا إلى أنه إذا كانت الولايات المتحدة لديها مثل هذا الاقتراح بالنسبة للهند، فبعد نصف قرن، ستضطر الولايات المتحدة إلى الذهاب إلى الصين أو دولة أخرى للسيطرة على الهند من أجل توازن القوى. لكن هذه القضية يمكن أن تكون بمثابة بديل ضد الصين.

4- الحروب التكنولوجية:

الجانب الخفي من المنافسة الذي يمكن أن يطغى على الحرب الباردة هو المنافسة التكنولوجية، ومثالها التاريخي هو اقتناء إنجلترا للرادار خلال الحرب العالمية الثانية، والذي استطاع أن يطغى على مصير الحرب إلى حد ما، وفي الواقع من خلال دراسة مسألة أن ألمانيا النازية لم يكن لديها رادار؛ تمكنت إنجلترا من الحصول على الرادار. ولذلك يمكننا أن نفهم أهمية التكنولوجيا في هذا النتافس وفي حالة حدوث الحرب الباردة. واليوم، يمكن النظر في أبعاد أكثر تعقيدا، مثل حرب الرقائق الدقيقة، ومحاولات الوصول إلى الذكاء الاصطناعي، ومحاولات الوصول إلى أسلحة وتقنيات أكثر تقدما، والحروب السيبرانية، وأبعاد أكثر تعقيدا، كما حدث خلال الحرب الباردة، عندما كانت المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة وروسيا.

1-4- حرب الرقائق ومحاولة الهيمنة على تايوان:

من أهم القضايا التكنولوجية في العالم الحديث هي تكنولوجيا الرقائق الدقيقة، والتي قد لا تكون بارزة مثل الذكاء الاصطناعي؛ ولكن في كثير من الأحيان لها أكثر أهمية. أحد أسباب محاولة الصين السيطرة على تايوان هو أن الصين تتخلف حاليا إلى حد ما عن العالم الغربي من حيث الرقائق الدقيقة. لكن تايوان تمتلك تكنولوجيا متفوقة في مجال إنتاج الرقائق الدقيقة وهي ضمن سلسلة إنتاج الرقائق الدقيقة في العالم. ومن شأن قضية الرقائق الدقيقة أن تزيد من حدة المنافسة الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة على الهيمنة على تايوان وتمنع الصين من الهيمنة على تايوان.

2-4- محاولة الحصول على تقنيات الذكاء الاصطناعي والحروب السيبرانية:

من أهم القضايا في عالمنا اليوم هو توسيع وتطوير الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم في كافة المجالات. ومن الواضح أنه إذا اشتدت المنافسة بين أمريكا والصين، فإن كلا البلدين سيحاولان تحقيق تكنولوجيا متفوقة في مجال الذكاء الاصطناعي يمكن تنفيذها في جميع المجالات. وبطبيعة الحال، لا بد من الإشارة إلى أن مسألة الحروب السيبرانية، التي نوقشت منذ عقود وتستخدمها الدول ضد بعضها البعض، ستشتد أيضا.

المصدر: موقع ديبلماسي إيراني

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *