أستاذ علم الاجتماع: تربية الأجيال الجديدة على المنهج العلمي للتمييز بين الحقيقة والشائعة – تحقيقات وملفات

وأكد الدكتور. وقالت هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن الحرب النفسية ليست مثل الحروب العادية التي تعتمد على استخدام السلاح ضد الأسلحة والجيوش ضد الجيوش. بل لا يقتصر الأمر على جيوش تواجه بعضها البعض على الحدود أو في الداخل. أماكن محددة، ولكنها تمتد لتشمل شعوباً تنتمي إلى… إلى الجيوش.

وقالت هدى، في حديثها لـ”الوطن”، إن فكرة الحرب النفسية بدأت في القرن العشرين لتصدير الخوف والذعر، وخلق حالة من الصراع بين الناس وجيوشهم، في نوع جديد يضاف إلى الموجود أنواع الحروب، وأشار إلى أن تثقيف الأجيال الجديدة بالطريقة العلمية الصحيحة يتيح لهم تحليل المعلومات والتمييز بين الحقائق والإشاعات.

ما أبرز أساليب الحرب النفسية التي تمارسها الدول؟

الحروب الخفية تهدف إلى تأليب الرأي العام وتغيير السلوكيات والقناعات. وعندما نتحدث عن أبرز الأساليب التي استخدمت في الحرب النفسية، يمكننا أن نأخذ مثالاً من الحركة الصهيونية عام 1948، حيث تطورت الحرب النفسية التي كانت تقوم بها الحركة في ذلك الوقت. كان الهدف منها نشر رسالة مفادها: “لن يتمكنوا من مقاومتنا”، في محاولة لنشر فكرة أنهم القوة الغاشمة في المنطقة التي لا يمكن هزيمتها، في وقت تتزايد فيه أعداد الجيوش العربية وأعدادها. وكانت الإمكانيات محدودة للغاية، وكان الجانب النفسي لتلك الحرب هو تهجير سكانها من القرى ونزوحهم منها. ورغم مقاومة السكان، إلا أنهم تعرضوا لأشكال التهجير من بلدانهم وأوطانهم، معتمدين سياسة المغول في مثل هذه الحروب النفسية. حيث يدخلون قرية ضعيفة مسالمة ويرتكبون الفظائع، مثل قتل الرجال في إحداها. إنهم يعاملون النساء بوحشية ويغتصبونهن، ثم يسمحون لبعض الناجيات بنشر الرسالة إلى بقية الناس.

كيف تختلف الحرب النفسية عن الحروب التقليدية أو العسكرية؟ ما الذي يجعلها أكثر خطورة على المجتمع؟

والحروب النفسية تختلف تماما عن الحروب التقليدية، فهي لا تتم بالسلاح أو المدافع، بل بزعزعة استقرار النفوس ونشر الأفكار الهدامة بين الناس. ومن المهم أن نفهم كيف يمكن أن تؤثر الحرب النفسية على المجتمع، حيث يسعى الأعداء إلى مهاجمة الخصائص. الشخصية الوطنية، والتي تعرف بالشخصية المنضبطة، إذ يتم تدجينها في مواجهة الخطر. عندما يتعرض المجتمع للخطر، يظهر ذلك في تصرفات الأفراد. ولذلك نجد أن هذه الحرب النفسية تهدف إلى تفكيك الوعي الجمعي لدى الناس، مما يؤدي إلى فقدان الإحساس بالأمن الفردي والاجتماعي. ونرى كيف يمكن للحرب النفسية أن تجعل الناس يشعرون بعدم الأمان حتى في منازلهم، بسبب الممارسات النفسية التي تمارس عليهم.

ما هي أهم الأدوات المستخدمة في الحرب النفسية لتحريض الرأي العام وتغيير معتقدات الأفراد؟

أما الأدوات المستخدمة في الحرب النفسية، فتختلف باختلاف الأساليب، أبرزها المنصات البعيدة التي قد تكون خارج نطاق رقابة المؤسسات الدينية. وتستخدم هذه المنصات لنشر الأفكار والأيديولوجيات التي يمكن أن تؤدي إلى تفكيك التماسك الاجتماعي ووحدة الأفراد من خلال نشر الأفكار الخبيثة، حيث يستخدم أصحاب الآراء هذه المنصات للتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم الهدامة. ومن هذا المنطلق يمكننا أن ندرك. أن الحرب النفسية لها تأثير عميق على المجتمع والأفراد، وتتطلب وعياً جماعياً لمواجهتها.

كيف تستغل قوى الحرب النفسية وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافها؟

تشكل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بيئة نشطة لشن الحروب النفسية والشائعات، إذ تستخدم هذه المنصات كمنصات لتوجيه أفكار المواطنين ونشر الأفكار الخبيثة لتحقيق أهداف الدول التي تشن هذه الحروب. ومن الأدوات التي تساهم في تشكيل وعي المواطن، إلى جانب الإعلام، هناك أيضاً دور للمدارس.

وماذا عن دور الشائعات والمعلومات الكاذبة في هذه الحروب؟ وكيف يمكن للمجتمع أن يتعامل معها؟

ولمواجهة الشائعات وآثارها الخطيرة، يجب علينا عرض الحقائق العارية بشكل مستمر والرد على الشائعات والأكاذيب عبر المنصات الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي، وهي وسائل الإعلام الأكثر انتشارا في المجتمعات.

ومن المهم أيضًا تثقيف الأجيال بالطريقة العلمية الصحيحة التي تتيح لهم تحليل المعلومات والتمييز بين الحقائق والإشاعات.

ولذلك لا بد من تعزيز ثقافة البحث الدقيق في المجتمعات من خلال تكثيف المبادرات التوعوية حول خطورة الشائعات في تدمير وتفكيك ثوابت ووحدة المجتمع، خاصة في المجتمعات التي تعاني من الأمية ونقص التعليم.

إحداث تغيير حقيقي

يمكن للحروب النفسية أن تسبب تغييراً في سلوكيات الأفراد، وبالتالي في قيم المجتمع. إن التواصل مع المجتمعات الريفية أمر حيوي ولا بد من الاستماع إليهم وفهم ثقافاتهم وتحديد الآليات المناسبة لحمايتهم من الأفكار الخبيثة ورفع وعيهم. إن التوجه من أعلى إلى أسفل دون الاستماع إلى الناس من الممكن أن يجعل الرسائل أقل أهمية، وهو ما يتطلب تبني استراتيجية من أسفل إلى أعلى، أي البدء بتعليم المجتمعات الريفية التي لم تتلق قدراً كبيراً من التعليم، وزيادة ضميرها، حتى الوصول إلى النخب.

خلال فترات الأزمات، إذا كانت هناك مقاومة من الأفراد والمجتمعات، فإن هذه الحروب النفسية لن تجد بيئة خصبة تنمو فيها، لذا يجب تعزيز الهوية الجماعية والوعي العام لمواجهة الآثار السلبية لهذه الحروب.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *