إن حمى الصراعات في الشرق الأوسط المتمحورة حول فلسطين المحتلة تزداد سخونة يوما بعد يوم ومع حدوث تطورات جديدة ودراماتيكية تدخل مرحلة جديدة. استشهاد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي والقائد الميداني لحركة حماس بطريقة أسطورية ودراماتيكية، وهجوم إسرائيل على بعض المراكز العسكرية، جعل التطورات الساخنة في كامل الأراضي الإسلامية تنتظر لحظة انفجار ضخم.
إن الوضع المعقد في غزة هو مثال واضح على الإبادة الجماعية في العصر الجديد. إن حجم الأسلحة المستخدمة، وحجم الخسائر البشرية، وتنوع عمليات هذا النظام، وكذلك ردود الفعل العالمية ومدى انعكاس عمليات القتل هذه على الرأي العام، ليس لها أمثلة مماثلة في التاريخ المعاصر.
في ظل الظروف التي يعيشها أهل غزة، كأرض منفصلة عن جسد مصر، في أسوأ الظروف الإنسانية، يقيمون حفلا غنائيا للمطرب المصري الشهير تامر حسني، بحضور عدد كبير من الأهالي في الإسكندرية، وهو عرض لسقوط القيم الوطنية والإنسانية وصدمة كبيرة للرأسمال السياسي الاجتماعي للشعب المصري.
يتفرج الشعب المصري، الذي خاب أمله من الهزائم التاريخية، على مآسي وإبادة الحكومة الصهيونية الغاصبة في غزة، بعد مرور أكثر من أربعين عاما على آخر معركة بين العرب وإسرائيل بقيادة قيادة مصر وأنور السادات عام 1973 (يوم كيبور) وهزيمة أخرى لحقت بهم في الماضي.
وكانت إحدى استراتيجيات جيش النظام الصهيوني في كل حروب هذه شبه الدولة هي اختصار المعارك لمنع خلق التعاطف في الدول المجاورة والإسلامية، ولكن بسبب صمت وتعاون بعض الحكومات العربية، وكانت هذه الاستراتيجية غير فعالة عمليا وأدركت إسرائيل أن تفكك الأمة الإسلامية وتقاعس وتبعية غالبية الحكومات الإسلامية لا يخلق في الواقع تعاطفا ووحدة ضد هذا النظام، وان محور المقاومة الوحيد الذي، على الرغم من تعرضه للإصابات، لا يزال نشط في ساحة المعركة ويتلقى الضربات على جبهات عديدة أمام إسرائيل.
موقف مخيب للآمال
وفي الوقت نفسه، فإن دور مصر كجارة للأراضي المحتلة ولها حدود مشتركة مع غزة مهم للغاية. كان دور مصر باعتبارها الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان في القرن العشرين حاسما للغاية لدرجة أن عبد الناصر، كزعيم للعالم العربي، كان يوجه الجماهير والدول العربية المؤسسة حديثا، ولكن موقف هذه الدولة الآن يائس ومخيب للآمال. شعب يائس وحكومة مفلسة بحاجة إلى مساعدة مالية، وقد واجهت دول الخليج والولايات المتحدة تراجعا رهيبا إلى درجة أنها أعطت جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين عند مدخل خليج العقبة للسعودية ومنطقة رأس الحكمة الساحلية إلى الإمارات العربية المتحدة مقابل مساعدات مالية.
ان العلاقات بين مصر وإسرائيل بعد الإخفاقات العديدة لمصر والتحالفات العربية في الصراعات بينهما، واغتيال السادات، وصعود وسقوط مبارك، وانتصار الإخوان المسلمين وتولي هذه الجماعة الرئاسة وأخيرا انقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي، كان قد شهد منعرجات عدة ارتفعت فترة وانخفضت في فترات أخرى.
إن تبني مواقف محمد مرسي الداعمة لفلسطين وانتسابه لجماعة الإخوان المسلمين زاد من احتمالية إحداث توترات بين النظام الإسرائيلي ومصر، لذلك أصبح تنفيذ استراتيجية الاستيلاء على السلطة على يد القوات العسكرية التابعة لها على جدول أعمال الولايات المتحدة وإسرائيل، مما أدى الانقلاب بالتنسيق الذي قام به السيسي مع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى سقوط الحكومة واعتقال محمد مرسي.
ومن حكام مصر العسكريين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وكلاهما كانا من قادة التحالفات العربية في الحرب مع إسرائيل، لكن السادات فقد كرامته وحياته في الحرب والسلام مع إسرائيل.
ان حسني مبارك، وبالخبرات التي اكتسبها من أسلافه فيما يتعلق بقمع التيارات الإسلامية، في الوقت الذي تبنى فيه أربع استراتيجيات داخلية وخارجية، أسس دكتاتورية خانقة في مصر لسنوات: لعب دور الصديق للشعب الفلسطيني، وقمع جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى، والتعاون الأمني الوثيق مع إسرائيل، وإقامة علاقات اقتصادية وعسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد أدى سلام كامب ديفيد واغتيال السادات إلى تطبيق مبارك الاستبداد الطويل الأمد والمميت على المجتمع المصري. لقد واجهت دكتاتورية مبارك التي استمرت 30 عاما، والقمع المستمر والطويل لجماعة الإخوان المسلمين ومعركته ضد الإسلاموية، تحولا عبر الأجيال.
لأن الحركات الإسلامية، الراديكالية والمعتدلة، مثل كل الجماعات السياسية، تتأثر بالتغيرات البيئية وظروف الحكم، لذلك فإن الشباب، الذين هم القوة الدافعة للمجتمعات، شاءوا أم أبوا، يتأثرون بتغيرات مجتمعهم. إن وجود انقسامات اجتماعية في المجتمعات أمر طبيعي، لكن طول فترة حكم مبارك، وصعود وسقوط الإسلاميين، واستيلاء السيسي القسري على السلطة، سبب إحباطا كبيرا لدى أنصار هذا الاتجاه ووصول العلمانيين إلى السلطة.
المخاوف الأمنية الأمريكية
وبعد سقوط مبارك وصعود الإسلاميين إلى السلطة، ومع تقدم الإخوان المسلمين، أصبحت المخاوف الأمنية الأميركية بشأن قضية فلسطين وإسرائيل خطيرة. وعلى هذا الأساس هددت الولايات المتحدة بقطع مساعداتها المالية لمصر حفاظا على أمن إسرائيل في حالة اضطراب السلام المنشود وانتهاك اتفاق السلام بين مصر والكيان الصهيوني. كما كان انقلاب السيسي ضد حكومة الإخوان المسلمين التي تأسست حديثا، بمثابة خطوة كبيرة لمنع شباب الإخوان من الوصول إلى السلطة ودعمها لفلسطين.
ويمكن رؤية دور الفريق عبد الفتاح السيسي بشكل مختلف وأقرب إلى المواقف الإسرائيلية. وعلى الرغم من بعض السياسات المنحازة تجاه إسرائيل، إلا أن أسلافه اعتبروا أنفسهم باستمرار مؤيدين للشعب الفلسطيني، ولكن بناء على متطلبات السياسة الداخلية وكذلك الالتزامات والاتفاقيات الدولية، لم يتمكنوا من تبني موقف عدائي عملي ضد إسرائيل، واختاروا استراتيجية التعاطف فقط للحفاظ على المظاهر، وكان هناك تعاون أمني سري بينهما على المستوى الكلي لقمع الجماعات الإسلامية المتأثرة بالإخوان المسلمين.
ويعود تعاون السيسي مع النظام الإسرائيلي إلى ما قبل الانقلاب، لأنه قبل أيام قليلة من الانقلاب، أعرب عن قراره بإقالة محمد مرسي من رئاسة بلاده إلى تل أبيب وطلب من إسرائيل زيادة سيطرتها على حركة حماس خلال فترة الانقلاب. وبعد ذلك أكد له النظام الصهيوني أن غزة تخضع لمراقبة مشددة، ومن أجل قطع الاتصال بين حماس والإخوان المسلمين، تم قصف أنفاق حماس في سيناء من قبل الجيش المصري. ولذلك، بعد سقوط الإسلاميين، عادت سياسة مصر الخارجية فيما يتعلق بقضية فلسطين وإسرائيل إلى مسار حكومة مبارك مرة أخرى.
ووفقا للسلطات الإسرائيلية، فإن شعور هذا النظام بالأمن يتم توفيره من خلال بقاء عبد الفتاح السيسي وحدود البلاد الطويلة مع مصر، وبالتالي فإن جهود هذا النظام للحفاظ على السيسي تشبه الجهود المبذولة للحفاظ على هذا النظام.
المصدر: موقع ديبلماسي ايراني
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
التعليقات